rif category
rif category

تاريخ عبد الكريم أكبر من أن يكون حلبة لتصفية حسابات شخصية‎

كتاب الرأي

14 يونيو 2016 - 14:22

تاريخ عبد الكريم أكبر من أن يكون حلبة لتصفية حسابات شخصية‎

تابعت مؤخرا كما تابع معنا المتتبعين والمهتمين نقاشا يتناول جوانب من شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي، هناك من أقر استنادا لمعطيات تاريخية استقاها أو خَلُص إليها أن عبد الكريم لم يكن إلا فقيه سلفي، وهناك من رأى فيه ذلك الرجل الحداثي (يشرب الخمر) ـ عند البعض علامة توحي على الحداثة ـ مستندا في ذلك لحكايات تاريخية، موظفا منهج "العنعنة"، مما فتح الباب لردود أفعال سُميت من طرف المتتبعين والمهتمين بالتهجم على أصحاب مبادرة زيارة جزيرة لا ريينون التي نُفي إليها محمد ابن عبد الكريم الخطابي.

فعلى الرغم من التوضيح الذي نشره "جمال الكتابي" على حائطه الفايسبوكي نافيا فيه ما نُسب إليه من كون "عبد الكريم يشرب الخمر" أو بالأحرى معلنا أن سوء فهم ما حصل في نقل ما قاله في ندوة بطنجة، ألح بعض المهتمين بتخصيص مقالات نُشرت في مجموعة من المواقع الإخبارية كتبت بلغة لا تخلو من التهكم والتسفيه والإستفزاز إن لم نقل بلغة لا ترقى إلى مستوى الحديث عن مدرسة نضالية ألهمت الحركات التحررية في العالم.

 فاحتراما لذلك التاريخ ولتلك الدماء الطاهرة التي روت جبال الريف، كان لزما اختيار قاموس لغوي راقي يليق بتلك الحقبة التاريخية الذهبية، عوض السقوط في الشخصنة، ولأن كل الأطراف لم تعيش تلك الأحداث، تمنيت لو التزموا منطق الاجتهادات والنقاش الهادف والمثمر والنقد البناء بعيدا عن الشخصنة والذاتية التي غالبا ما تكون عائقا ابيستمولوجيا يسد كل أبواب المعرفة والحقيقة والإجتهاد.

لكن للأسف إختاروا التنابز بالألقاب والتخوين عوض المقارعة الفكرية، والمزايدات "كمنهج" عوض الاحتكام إلى المناهج العلمية الصارمة على الأقل لتعميم المعرفة والإستفادة. ماذا سنستفيد نحن كمتتبعين أو باحثين من كون أن محمد عبد الكريم كان يشرب الخمر؟ بتعبير أخر هل لهذه المعلومة قيمة علمية وتاريخية ستساعدنا على فهم وشرح تلك الحقبة التاريخية؟ كما يحق لنا أنا نتساءل أيضا حول الأهمية العلمية والتاريخية كون محمد ابن عبد الكريم الخطابي كان يصلي الفجر...؟ إن التفكير فقط في الإجابة هو تفكير في طرح أسئلة أخرى أكثر جرأة والجواب عنها سيكون خطوة لرفع اللبس عن نقاش اختلط فيه الحابل بالنابل، اختلط فيه الشخصي بالتاريخي، بل الجواب عليها سيبين أسباب سقوط هؤلاء في الشخصنة! ما معنى التاريخ؟ و لماذا التاريخ؟ ما أهمية التاريخ؟ أو قل ماذا نريد بهذا التاريخ الآن وهنا؟

هاته الأسئلة هي مفتاح فلسفة التاريخ وهنا لا يعني أن الفلسفة أو الفيلسوف يزاحم المؤرخ في مهامه وإنما محاولة إنارة طريقه بميكانيزمات حتى لا يتيه وسط طريق مليئ بالأحداث التاريخية، بل هي مغامرة من المؤرخ ما لم يكن مسلحا بسلاح علمي صارم.

ولتسليط الضوء على أهمية فلسفة التاريخ في خوض تجربة النبش في الماضي أجد نفسي ملزما باستحضار رؤى بعض الفلاسفة والمؤرخيين، سأبدأ باستحضار مفهوم التاريخ عند ابن خلدون، يقول في مقدمته " ...فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتشد إليه الركاب والرجال. وتسمو إلى معرفته السُّوقة والأغفال. وتتنافس فيه الملوك والجُهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام و الدول...و في باطنه نظر و تحقيق و تعليل..." إذن فالتاريخ عند ابن خلدون ليس علم بظاهر الأحداث( شرب الخمر مثلا أو الصلاة..) وإنما علم باطني بكيفيات الوقائع والأسباب، نفس الشئ ذهب إليه المؤرخ الفرنسي هنري إيريني مارو، فعند إجابته عن السؤال ما التاريخ؟ قال: ... سأقترح الإجابة التالية: " التاريخ هو معرفة الماضي الإنساني، نقول معرفة وليس سردا للماضي الإنساني أو عملا أدبيا يتوخى إعادة كتابة ذلك الماضي كما قد يظن البعض..." إذن فحسب هنري فالتاريخ ليس سردا أدبيا بل معرفة علمية تستند إلى منهج علمي صارم، وبالتالي فلا مجال للمزايدات..

أما فيما يخص مناهج كتابة التاريخ والتحقق من مدى صحة الوقائع والأحداث ومسألة الموضوعية، فنحن ملزمين باستحضار موقف أحد رواد فلسفة التاريخ إنه الفيلسوف الألماني هيجل الذي ينبهنا إلى ثلاثة مناهج يمكن الاعتماد عليها لكتابة التاريخ ويمكن حصرها في ثلاثة: الأول: التاريخ الأصلي: يقصد هيجل بهذا النوع من المنهج ذلك التاريخ الذي يكتبه مؤرخ وهو يعيش الوقائع والأحداث. الثاني: التاريخ النظري: هذا النوع الثاني من الكتابة التاريخية سِمتها أن المؤرخ أو الباحث لم يعيشا الأحداث، وإنما يحاولا جمع معلومات حول أمة من الأمم في عصر من العصور وصياغتها بعدما تأكدا من صحتها وأهميتها. الثالث: التاريخ الفلسفي: يقصد به هيجل دراسة فلسفية للتاريخ بمعنى دراسة التاريخ من خلال الأفكار وإخضاعها لمنهجية التفلسف، لأن التاريخ هو تاريخ الإنسان.بمعنى الإهتمام بالأفكار لا بالعرض.

خلاصة القول، إن دراسة التاريخ يستدعي أن نعي أولا بأهميته وقيمته كتاريخ بأخطائه بسلبياته وإيجابياته حتى يكون درسا للاستفادة منه في الحاضر ودرسا لفهم المستقبل وليس مجالا للمزايدات، كما يستدعي منا أن نكون ملمين بالمناهج العلمية السليمة والصارمة لدراسته عبر تفسيره عقليا وليس سرده قصصيا ووجدانيا.

محمد اشهبار

عدد التعليقات (1 )

-1-
مواطن
28 يونيو 2016 - 00:30
كان محند بن عبد الكريم الخطابي شبلا من ذلك الاسد
لكننا اصبحنا نرى ان هذه الشخصية التاريخية تستغل من قبل مجموعة من الحركات و المنظمات في العالم من اجل استقطاب المتعاطفين
يجب ان نفرض احترام تاريخنا
لكن هذا يجب ان يسبقه رد للاعتبار
مقبول مرفوض
0
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

أضف تعليقك

line adsense

يقود عصابة لتفجير الابناك.. لاعب سابق لشباب الحسيمة امام القضاء الالماني

 مثل امس الخميس امام محكمة بامبرج في المانيا، 16 متهمين في قضايا تتعلق بتفجير، شبابيك الصرف الآلي، من بينهم "س إ" لاعب سابق لشباب الريف... التفاصيل

بوزنيقة : انطلاق المؤتمر 18 لحزب الاستقلال بحضور 3600 مؤتمر(فيديو)

 انطلقت اليوم الجمعة 26 ابريلـ، أشغال المؤتمر الوطني الثامن عشر لحزب الاستقلال، بحضور قيادات حزلية، وزعماء النقابات ، إلى جانب عدد من الوزراء ورؤساء عدد... التفاصيل

حملة "محتشمة" لتحرير الملك العام بإمزورن تثير استياء مواطنين

 نظمت السلطات المحلية في مدينة إمزورن حملة مؤخرًا لتحرير الملك العام من التجار الذين يعرضون سلعهم على الأرصفة وفي الطرقات، وهو إجراء أثار ردود فعل... التفاصيل

تأخر تهيئة الطريق بين إمزورن وتمسمان يثير غضب السكان

 يستمر تأخر اشغال تهئية المقطع الطريق الحيوي بين إمزورن وجماعة تمسمان في إقليم الدريوش، في إثارة حفيظة سكان عدد من الجماعات بالاقليم.  ويعتبر هذا المقطع الطرقي... التفاصيل

ارتفاع كميات مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة

 بلغت كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء الحسيمة 981 طنا مع متم مارس 2024، بزيادة تقدر ب 9 % مقارنة بنفس الفترة من السنة السابقة،... التفاصيل

line adsense