rif category
rif category

لم آت إلى العالم كي أشبع الخبز‎

كتاب الرأي

24 يونيو 2017 - 00:56

لم آت إلى العالم كي أشبع الخبز‎

تذكرت بالصدفة يوم عدت من المدرسة ذات ظهيرة صيفية حارقة، وأنا طفل لم أبلغ العاشرة من عمري، لأجد باب الدّار موصدة، فما كان لي إلاّ أن أجلس على عتبة الباب أعدّ الثواني والدقائق كأني أعدّ دقات قلبي الصغير، في إنتظار عودة أمي من عملها كما ألفت أن أفعل دائما، لأسمع بعد لحظات من جلوسي على عتبة الباب نداء جارتنا "ليلى" التي كانت تطل عليّ من شرفة بيتها: "يوسف.. آجي عندي أمك لن تعود حتى العصر". لم أبد أيّ إهتمام للجارة ولا لندائها حيث إلتفت نحوها بإيماءة رافضة بأصابع يدي الناعمة، وكأني كنت أعرف أنها تراني طفلا مسكينا يشفق على أمري قبل أن تنزل من شرفتها وتتقدم نحوي قائلة: هيّا معي يا يوسف لأطعمك إلى حين عودة أمك. فما كان لي إلاّ أن أستمر في رفضي الذي بدأته بإيماءة لأنهيه بقولي: لا أريد الخبز.. أريد أمي.

لم أتذكر هذه القصة بمناسبة عيد الأب الذي إحتفل به الأبناء في ربوع العالم قبل يومين، ولم أتذكرها كذلك بمناسبة عيد الأمومة الذي مرت أشهر على تخليده، لقد تذكرت القصة مثلها مثل الكثير من قصص الرفض التي رسخت في مخيلتي وستظل تلاحقني إلى أن ترث التربة عظامي ورفضي الأبدي، بمناسبة يقيني بأن الإنسان لم يأت إلى العالم كي يشبع الخبز.. بل جاء كي يعيش إنسانا.

تتقاطع في رأسي شلاّلات من الأفكار، يتملكني الجنون أحيانا، أشعر بقرف العالم حين أسمع الشباب في الساحات والحافلات أو المقاهي يقولون فيما بينهم بوجوب المرء أن يحصل على "كسرة خبز" قبل الخوض في أي نقاش آخر يهم الحياة، مثلهم مثل الشابّات اللائي يقلن بوجوب الحصول على '' فارس الأحلام" وكأن الحياة عندهن تبدأ بالزواج وتنعدم أو تموت في غيابه، في مثل هذه المواقف تتملكني الرغبة في الصراخ في وجه العالم أنني:

 لم آت إلى العالم كي أشبع الخبز.. لقد جئت إلى هنا كي أعيش إنسانا.

إن السؤال الذي  لا يجب أن يفارق بال أي إنسان هو: إلى متى سنظل نعيش الحياة بفارغ البطن وكأننا لا نعرف إلاّ الخبز؟ أليست الحياة والإنسانية أعمق من الخبز؟ من يجعلنا لا نرى في الحياة إلاّ الخبز؟

 اليوم، أرى أن وضع الشعوب في بعض دول القارة الإفريقية والبعض الآخر من شرق المتوسط محزن جدّا إن ظل على ما هو عليه، حيث أننا بلغنا القرن 21 ومازال  تفكير المواطن البسيط لا يخلو من "الخبز"، في الوقت الذي وصلت فيه بعض الشعوب إلى الشروع في مناقشة الجيل الرابع من حقوق الإنسان وحياة الرفاهية التي يسعى إليها مواطنيها، وستأتي شعوب أخرى تنظر لجيل خامس من الحقوق وأكثر رفاهية من الرفاهية التي هم عليها الآن، وكأن الخبز عندنا هو ''الحياة وما فيها'' كما يقول المثل الشعبي.

أما آن لنا أن ننعم بالإنسانية التي جئنا إلى هذا العالم كي نعيشها مثلنا مثل باقي الشعوب.. أما آن للقيود المفروضة على فرن الخبز أن تكسر كي ينعم الجميع بالخبز والرغيف كي نفكر للإنسانية والإنسان..

أما آن لهذا العبث أن ينتهي !!

يوسف البرودي

عدد التعليقات (1 )

-1-
مغربي انا
26 يونيو 2017 - 12:32
بكل تاكيد عندما يتوفر لك شيئ فانك لاتعيره اهتماما يا انسان يا ابن آدم
اي انسانية تحتاجها هل بالفتن وبالتقتيل يمكن لك ان تكون انسانيا لما هذا الخلط لدينا الانسانية نعيشها بارادتنا وليس بالتمني وتصور ان هناك من هم عايشينها وانت فقط تنظر للجانب المادي من تقدمهم وهو طرف الخبز الذي تنكر جميله يا ابني
مقبول مرفوض
-7
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

أضف تعليقك

line adsense

استغلال طفل في التسول يقود سيدتين الى المحاكمة بالحسيمة

 ادانت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالحسيمة، سيدتين متهمتين باستغلال طفل في التسول وحكمت عليهما باربعة اشهر حبسا موقوف التنفيذ لكل واحد منهما وغرامة مالية قدرها... التفاصيل

مشاريع مختلفة لمواجهة نقص مياه الشرب والري بالناظور والدريوش

 عقدت وكالة الحوض المائي لملوية، امس الثلاثاء بالناظور، مجلسها الإداري برسم 2023، برئاسة الكاتب العام لوزارة التجهيز والماء، المصطفى فارس. وخُصص هذا الاجتماع، الذي حضره والي... التفاصيل

الطبقة العاملة باقليم الحسيمة تخلد ذكرى فاتح ماي

 على غرار العديد من المدن المغربية، احتفت نقابة الاتحاد المغربي للشغل، اليوم الأربعاء بمدينة الحسيمة، بعيد الشغل من خلال تنظيم تجمع خطابي ومسيرة جابت الشوارع... التفاصيل

حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة

 شهد مركز جماعة الرواضي بإقليم الحسيمة، امس الاربعاء فاتح ماي، حادثة سير خطيرة، دون تسجيل خسائر في الارواح. وحسب مصادر متطابقة فيتعلق الامر بحادثة اصطدام جرافة... التفاصيل

توقف الخط البحري بين الحسيمة وموتريل يجر وزير النقل إلى المساءلة البرلمانية

 اثار التوقف المفاجئ للخط البحري الرابط بين مينائي الحسيمة وموتريل، والذي تؤمنه باخرة تابعة لشركة "ارماس" الاسبانية، استياء العديد من المواطنين باقليم الحسيمة، ولاسيما افراد... التفاصيل

line adsense