rif category
rif category

الحمديوي يكتب عن زيارته لمعتقلي الحراك بعكاشة : قاعة الانتظار

في الواجهة

13 غشت 2018 - 21:35

الحمديوي يكتب عن زيارته لمعتقلي الحراك بعكاشة : قاعة الانتظار

قبل أن نصل قاعة الزيارة كمحطة أخيرة، ننزل إلى قبو فسيح به  قاعة انتظار على اليسار، كانت في السابق متجرا يقتني منه السجناء ما يحتاجون إليه، وكنا في الزيارات السابقة، نلتقي بعض سجناء الحق العام وهم ينظفون المكان الذي كانت رائحة مزكمة للنفوس، وكنا غالبا ما نفضل الانتظار في الخارج حتى لا نجبر على استنشاق تلك الرائحة الكريهة، أما الآن فقد تحسنت الأمور بشكل أفضل على الأقل مقارنة بالسابق..

في قاعة الانتظار،  بها كراس طويلة مغطاة بجلد بني، لا مساند لها، جلسنا ننتظر الحاكمي مدير دار الشباب السابق بالحسيمة والذي تقاعد من عمله من هذه المدينة التي جاءها شابا وغادرها ستينيا منذ سنوات خلت، كلما التقيته يتذكر معي تلك الأيام الجميلة التي قضيناها معا بدار الشباب بالحسيمة حين كنت رئيسا "لجمعية إزران للبحث والإبداع الموسيقي" في أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، ويسألني عن فلان وفلان، وهل مازالت الأنشطة كما كانت...

حين كنا جالسين ننتظره، نناقش أمور السياسة والدين، وكيف أصبحا يلوثان بعضهما البعض وباتا ملتصقين ببعضهما ولا يتفارقان، قال والد يوسف: إن الله بكل جبروته وقوته منح لنا حق الاختيار وحق الانتماء... 

نظر إليه طارق، أخ ناصر الزفزافي و قرأ عليه آية قرآنية ليدافع عن رأيه: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه".. 

رد عليه والد يوسف: " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر".. أليس هذا قول الله أيضا.

تدخل والد ناصر: إذن فلن نلوم أحدا فيما يجري الآن من تناطح بين الناس من أجل الدفاع عن مذاهبهم..ما دمنا نحن نختلف في نص مصدره واحد..

تدخلت قائلا: "كل خنفوس عند امه غزال"، والكل يدافع عن وجهة نظره من زاويته، وبمجرد أن نغير زوايا النظر، نكتشف جيدا ونعي وجهات النظر التي كان يدافع عنها الآخر، لله وجه واحد، وكل منا يحمل صورة له في دماغه تختلف عن الناس جميعا، فدعوا الله ينام.. ضحك عيزي أحمد وردد معي: لندع الله ينام بسلام..

 هنا سمعنا طرق الأبواب الحديدية، تلك الأصوات التي لا معنى لها سوى سلب الحرية، وصوت الحارس ينادي: أحمد الزفزافي، طارق الزفزافي... ثم وقفنا جميعا والتحقنا بالباب الحديدي الذي يقف بجواره، من الجهة الداخلية، حوالي أربعة حراس يراقبون بطائق الزيارة وبطائق التعريف لكل واحد منا، ويتأكدون من أننا خضعنا لكل مراحل التفتيش بالنظر إلى الطابع المختوم على ظهور أيادينا.

لم يكن بيننا أطفال في هذه الزيارة، ما دمنا لم نقم بها رفقة العائلات التي تستفيد من حافلات صغيرة تنقلهم إلى عكاشة مرتين في الشهر، فهم يصبغون الزيارة بجو من النشاط ومن الحزن أيضا، خصوصا حين يلتقون آباءهم في السجن، لكنهم حضروا فيما بعد حين التحقت بنا عائلة بوزيان قادمة من الحسيمة على متن سيارتين خاصتين، وكانت الزيارة قد بدأت منذ ساعة تقريبا، ربما أقل وربما أكثر، فللزمن مفهوم آخر، ولا نعرف له طعما ولا ندركه، فكل ما يهمنا هو أن نلتقي هؤلاء الأبطال ونعانقهم وندخل عليهم بعض الفرحة والسرور، ونطلعهم على أخبار المدينة والناس، أخبار الحسيمة التي يحبون حد الجنون..

حين كنت أحدث يوسف، دخل بلال وعثمان بوزيان وشاكر المخروط، تعالت التصفيقات، وبدأ مسلسل العناق من جديد، لهذا العناق طعم خاص جدا لن يدركه إلا من ذاق طعم الحرمان من الحرية، تحس أنك تسعى بأن تمسح عنهم غبار السجن، تمنح لهم بعض الحرية التي دخلت بها، وسلبت منك للحظات.

عائلة بوزيان مكلومة في فلذات أكبادها، هما أخوين اعتقلا معا، بعد أن داهمت الفرقة الوطنية منزلهما في صباح باكر جدا، واحد متزوج والآخر أعزب كان يحضر للزواج، لكنه الآن يخطط للزواج بالحرية قبل أن يتزوج حبيبة القلب.. في إحدى الزيارات السابقة، حاولت زوجته أن تمد له طفلته الصغيرة التي لا تعرفه، فرفضت أن يحملها والدها، الذي بدا لها غريبا، شخص لا تعرفه، التقت عينانا، وسط الأجواء الحزينة تلك، فأحسست بقشعريرة تغزو جسدي، وضعت رأسي بين كفي، فأجهشت في البكاء صامتا، تحسرا على طفلة رفضت أباها الذي حرمت منه.. فكيف لتلك الأم وذاك الجد أن يشرحا لطفلة لم تتجاوز السنة في عمرها أن الشخص الذي تنفر منه هو والدها، وهو الوحيد الذي يجب أن تفر إليه وليس أن تفر منه..

أما شاكر المخروط، فكانت لحيته كثيفة، بشوش، دائري الوجه، متوسط القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير، تغير كثيرا منذ اعتقاله، لم أكن أعرفه من قبل، لكنه يسأل عني ويهاتفني حين تشاء الظروف، قال لي: "يوسف يحدثنا عنك كثيرا، ويغني لنا أغانيك الجميلة التي تبعث فينا الأمل، أشكرك صديقي على كل ما تقوم به من أجلنا.."

أجبته مبتسما: عزيزي شاكر، من حسنات هذا الحراك المبارك، أنه جمع شملنا وقربنا من بعضنا البعض أكثر، وعرفنا بأشخاص كانوا معنا ولم نكن نعرفهم، فما نقوم به جميعا، هو في سبيلكم وفي سبيل أبناء هذا الوطن، فلقد كان من الممكن أن يكون أي مواطن مكانك. ثم عانقني من جديد، لكن هذه المرة بقوة أكبر ولمدة أطول... (يتبع)

بقلم: فريد الحمدوي

عدد التعليقات (0 )

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك

line adsense

طنجة.. محامون وخبراء يناقشون رهانات وتحديات مكافحة جرائم غسل الأموال

   جرى أمس الجمعة بمدينة طنجة استعراض جهود المملكة المغربية، القانونية والإجرائية، في مكافحة مختلف أشكال جرائم غسل الأموال، إلى جانب رصد التحديات واستشراف الرهانات... التفاصيل

الحسيمة.. الحبس موقوف التنفيذ لمتهم بهتك عرض قاصر

 ادانت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، اخيرا، متهما بإغتصاب فتاة قاصر وافتضاض بكارتها، وحكمت عليه بسنتين حبسا موقوف التنفيذ. وتوبع المتهم من قبل النيابة العامة... التفاصيل

القضاء الاسباني ينظر في تسليم زعيم شبكة لتهريب المخدرات الى المغرب

 تنظر المحكمة الوطنية الاسبانية في طلب تقدمت به السلطات المغربية، لتسليم مواطن مغربي، يشتبه تورطه في قضيا تتعلق بالتهريب الدولي للمخدرات والاتجار في البشر. وحسب السلطات... التفاصيل

موجة حر تجتاح العديد من المناطق في المغرب

  تتوقع المديرية العامة للأرصاد الجوية تسجيل موجة حر، من يوم الثلاثاء إلى يوم الجمعة المقبل بعدد من مناطق المملكة. وأوضحت المديرية، في نشرة إنذارية من مستوى... التفاصيل

شباب الريف الحسيمي يعود بنقطة وحيدة من العروي

 عاد فريق شباب الريف الحسيمي، بنقطة وحيدة من مدينة العروي، اثر تعادله امام فريق امل العروي المحلي بهدف لمثله، في المقابلة التي جمعتهما امس السبت... التفاصيل

line adsense