rif category
rif category

أفهم أن..

كتاب الرأي

1 يناير 2019 - 13:36

أفهم أن..

وأخيراً؛ صار بوسع الناس في كلّ أقطار العالم أن يحتفلوا بتوديع عام ذهب واستقبال آخر سيأتي بعيد ساعات معدودة. وأخيراً؛ قررت هذا العام، ولأول مرة، أن أحتفل.. لكن ليس بقدوم عام جديد، بل لسبب آخر، سأحتفل بكوني بدأت أفهم..

أفهم أنه من العار أن أحكم على أحد من صورته الخارجية أو جنسه أو عرقه، فما تخفيه النفوس أعظم من أية صورة يظهر عليها المرء، رغم أن اصدار الاحكام من خلال المظهر هو السائد في عصرنا.

أفهم أن الشابين العراقيين اللذان جمعتني بهما الصدفة في مدخل مدينة أونفيرس البلجيكية وطلبت منهما أن يقوداني إلى محطة قطار المدينة؛ كان بإمكانهما أن يقوداني إلى وجهة غير معلومة ويسلبان مني كلّ ما أملك، لكنهما لم يقدما على ايذائي رغم الوساوس التي أرقتني عندما عرفا أنني غريب قادم من المغرب، لقد أوصلاني إلى المحطة وبقيا إلى جانبي حتى أتى زوج اختي بعد انتظار فاق ساعة ونصف..، لقد فعلا كلّ ذلك بدافع انساني محض.

أفهم أن الشابة التايلاندية التي كانت تجلس إلى جانبي في حانة "Bigue GAmes" الواقعة على مقربة من مبنى البورصة ببروكسيل؛ كان بوسعها أن تسحب هاتفي وتدسه في حقيبتها اليدوية وتطلق ساقيها للريح  أو تنتقل للجلوس في زاوية مظلمة لتسخر من مشيتي المعرجة ورأسي المثقل حينما دوختني بيرة "Jupiler"، لكنها لحقت بي في الدرج النازل إلى دورة المياه وأعادت لي الهاتف.. لقد ادهشتني طيبتها ولم تطاوعني السكرة واللغة الفرنسية لأتمكن من شكرها. 

أفهم أن الشرطي الذي حلّ بالمقهى الذي اشتغلت فيه نادلا، ذات صيف حارق، وطلب برّاد شاي مع قطع "الحرشة" فشرب ما شرب وأكل ثم انصرف دون أن أرى وجهته أو أستخلص منه الثمن.. لكن؛ بعد مرور عام بالتمام والكمال، وقف إلى جانبي أمام الكونتوار حيث كنت منهمكا في تصفيف الكؤوس وأول ما تفوه به هو كلمة اعتذار دون أن أعلم من يكون الرجل أو أفهم عمّا يعتذر؛ فشرح لي أنه تواجد في المقهى قبل عام ولسبب طارئ غادر دون أن يؤدي ثمن مشروبه و.. فهمت أنه إنسان لم تخلصه انشغالاته من صفة الوفاء.

أفهم أن علي الذي انتظرني لساعات في مطار أورلي الجنوبي ورافقني في جولتي بباريس، لم يفعل ذلك سوى بدافع الفرح، فرحا بصنع ابتسامة على وجهي الذي أتعبته مشاكل العالم.   

سأحتفل هذه المرة لأنني بدأت أفهم أن القيم الانسانية هي أساس العيش المشترك.  

لقد فهمت، أنني يجب أن أعيش ما تبقى من العمر تحت ضياء السماء العارية لا في الزوايا المظلمة، أن أعيش دون أن أنصاع لأفكار أحد أو أجبر أحدا على أن يفكر كما أفكر، أن أحترم من احترمني وأقدر من أساء إليّ.. قد يأتي يوم ويفهم أنني إنسان، أصيب وأخطأ، وأن الحياة قصيرة جدّا، ويجدر أن نعيش تفاصليها دون أن نسيء إلى بعضنا البعض.

يوسف البرودي

عدد التعليقات (2 )

-1-
فاطمة الزياني
1 يناير 2019 - 18:58
تحية إبداعية يوسف ودام لك التألق والإبداع .
مقبول مرفوض
5
-2-
عمار أبوهالي
7 يناير 2019 - 15:21
الآن بدأت تكبروستفهم أكثر وستنفك من قيود القبيلة وأغلال المحيط
مقبول مرفوض
8
المجموع: 2 | عرض: 1 - 2

أضف تعليقك

line adsense

هذا ما قررته المحكمة في أول جلسة للنظر في ملف عزل رئيس جماعة تارجيست ومن معه

 قررت المحكمة الإدارية بفاس، هذا الأسبوع، تأجيل النظر في ملف عزل رئيس المجلس الجماعي لجماعة تارجيست وعدد من نوابه، الذي أحالته وزارة الداخلية في وقت... التفاصيل

العاصفة "كلوديا" تقترب من السواحل الإيبيرية وتؤثر على أجواء المغرب بأمطار ورياح قوية

 تستعد عدة مناطق من المملكة، ابتداءً من يوم الخميس، لاستقبال موجة من الأمطار والرياح القوية نتيجة التأثير غير المباشر للعاصفة الأطلسية “كلوديا”، التي تتمركز حاليًا... التفاصيل

مشروع لتأهيل ميناء الحسيمة ضمن مشاريع تطوير البنيات المينائية بالمغرب

 أكد وزير التجهيز والماء، نزار بركة، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين امس الثلاثاء، أن الوزارة تعمل على تأهيل مجموعة من الموانئ الحضرية، من بينها... التفاصيل

إطلاق نظام جديد لتبسيط طلبات التأشيرة الفرنسية من المغرب

 دخلت فرنسا مرحلة جديدة في تدبير طلبات التأشيرة بعد إطلاقها النظام المعلوماتي الموحد France-Visas، الذي أصبح معتمداً بشكل كامل ابتداء من سنة 2025 في جميع... التفاصيل

البوطاهري يطالب الوزارة بإحداث خط جوي مباشر بين الحسيمة والرباط

  وجّه النائب البرلماني عن إقليم الحسيمة، بوطاهر البوطاهري، سؤالاً كتابياً إلى وزير النقل واللوجستيك، دعا من خلاله إلى إحداث خط جوي دائم يربط بين مطار... التفاصيل

line adsense