rif category
rif category

اعمراشا يكتب : بين الأمل والألم..نبض الموسيقى يجمع الحسيمة بزوارها

كتاب الرأي

5 غشت 2024 - 18:53

اعمراشا يكتب : بين الأمل والألم..نبض الموسيقى يجمع الحسيمة بزوارها

في أروقة المدينة التي تعانق البحر، تحت سماء الحسيمة الموشحة بالذكريات، تجمع الناس في ساحة كانت ذات يوم مركزًا لهتافات الحراك بقيادة ناصر الزفزافي وأصوات المطالبة بالحرية والكرامة. هنا، حيث كانت الأقدام تهتز بنبض الاحتجاجات، وقف البعض يتأمل مشهدًا مختلفًا. فقد تحولت الساحة، التي كانت يومًا مسرحًا للألم والأمل، إلى مكان للمرح والاحتفال.

كانت نجاة عتابو على المسرح، تصدح بصوتها الذي يشبه الرياح العاتية، تغني لأناس جاؤوا من كل حدب وصوب إلى وسط المدينة للاستمتاع بسهرتها بمهرجان اتصلات المغرب بساحة محمد السادس. وبينما كانت الألحان تتردد في الأجواء، كانت هناك أصوات أخرى، همسات غاضبة تتسرب من بين الحشود. "كيف يمكن لهؤلاء أن ينسوا؟" تساءل أحدهم بصوت مملوء بالمرارة. "كيف يمكنهم الرقص والاحتفال بينما لا يزال أبناء الريف يقبعون في السجون؟"

كان البعض يرى في هذه السهرة تناقضًا صارخًا، تضادًا بين روح الاحتجاج وروح الاحتفال. ففي هذه الساحة بالذات، كانت الهتافات ترتفع تطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، أولئك الذين ضحوا بحريتهم من أجل قضية يؤمنون بها. كان الحزن والغضب يملآن القلوب، كما لو أن الموسيقى كانت تحاول أن تطمس ذكرى الألم.

لكن الحسيمة، بجمالها الذي لا يوصف، كانت تعلم أن الحياة لا تتوقف عند لحظة واحدة، مهما كانت مؤلمة. كانت المدينة تعرف أن الناس بحاجة إلى متنفس، إلى لحظات من الفرح تخفف عنهم وطأة الأيام الصعبة. وبينما كان البعض ينقم على من جاؤوا للاستمتاع، كان آخرون يدركون أن الموسيقى قد تكون وسيلة لجمع القلوب والتخفيف من الأوجاع.

"ربما لا يمكننا أن ننسى، لكن لا يجب أن نتوقف عن العيش"، قال رجل مسن وهو ينظر إلى الساحة التي تتراقص فيها الأضواء. "فالحياة مزيج من الألم والفرح، ونحن بحاجة إلى الاثنين لنستمر."

إن تداخل الأذواق والهوسات، الحزن والفرح، يعكس تعقيد الإنسان وجماله. وبينما كانت نجاة عتابو تغني، كان الأمل والألم يتعانقان في قلوب الناس، يتذكرون الماضي، ويعيشون الحاضر، ويحلمون بمستقبل أفضل.

إن الحسيمة مدينة تموج بالتناقضات، ولكن في أعماقها تتعانق المعاني. كما قال علي الطنطاوي في إحدى مقالاته: "الحياة ليست إلا مزيجًا من اللحظات الجميلة والمرة، ونحن نصنعها بما نحمله في قلوبنا من حب وصبر." وكما أضاف شكيب أرسلان: "إن في التآلف بين الأضداد تكمن حكمة الخالق، وإن في الاختلاف تكمن متعة الحياة."

هكذا كانت الحسيمة في تلك الليلة، تجسد روح الفلسفة والأدب، حيث اجتمعت القلوب المتباينة على حب الموسيقى، وتلاقت الأرواح على أمل غدٍ أفضل. وبينما تتعالى الألحان وتتناغم الأصوات، كان الجميع يدركون أن الموسيقى ليست مجرد أداة للترفيه، بل هي جسر يجمع بين القلوب، ويعيد الحياة إلى نفوس المتعبين.

في تلك اللحظات، كانت الموسيقى تنساب كالماء، تغسل هموم الناس وتعيد إليهم شيئًا من الأمل. وكانت الحسيمة، بتلك الليلة النجومية، تشهد على أن الأمل والألم يمكن أن يتعايشا، وأن الحياة، بكل تناقضاتها، تبقى جميلة ومليئة بالمعاني.

المرتضى إعمراشا 

عدد التعليقات (0 )

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك

line adsense

تارجيست.. تكرم رئيس كتابة النيابة العامة السابق بمناسبة انتقاله إلى استئنافية الحسيمة

 نظم المكتب المحلي للنقابة الديمقراطية للعدل بتارجيست، بشراكة مع ودادية موظفي العدل، مساء يوم الثلاثاء 23 دجنبر 2025، حفلاً تكريمياً بهيجاً برحاب المحكمة الابتدائية بتارجيست،... التفاصيل

التكتل المهني والتجاري بالحسيمة يدق ناقوس الخطر بسبب الركود الاقتصادي

 أعرب التكتل المهني والتجاري والخدماتي بالحسيمة عن قلقه البالغ واستيائه العميق إزاء ما تعيشه المدينة من ركود اقتصادي واجتماعي مقلق، في ظل هشاشة البنية الإنتاجية... التفاصيل

مصرع شاب بعد أن جرفته سيول واد بإقليم الدريوش (صور)

 لقي شاب يبلغ من العمر 23 سنة مصرعه غرقاً، مساء اليوم الأربعاء 24 دجنبر، بعد أن جرفته سيول شعبة “واد الحمام” بجماعة امطالسة باقليم الدريوش. وتعود... التفاصيل

أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف

 شهدت منطقة الريف، خلال الأسبوع الأخير، تساقطات مطرية مهمة همّت مختلف الجماعات والأقاليم، مخلفة حالة من الارتياح في أوساط الفلاحين، الذين يتوقعون انطلاقة موسم فلاحي... التفاصيل

ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة

 أنعشت التساقطات المطرية الأخيرة التي عرفتها جهة طنجة-تطوان-الحسيمة المخزون المائي للسدود الكبرى الواقعة ضمن نفوذ وكالة الحوض المائي اللوكوس، حيث تجاوز حجم المياه المخزنة عتبة... التفاصيل

line adsense