rif category
rif category

" بوجلود ": عندما تحاكي الفرجة الموروث الثقافي.

كتاب الرأي

9 أكتوبر 2014 - 19:05

" بوجلود ": عندما تحاكي الفرجة الموروث الثقافي.

 "بويلماون، بوجلود ..."، هي أسماء متعددة تطلق على طقس واحد، وسنكتفي ب"بوجلود"على سبيل المثال لا الحصر.

"بوجلود"، شخصية ترتدي جلود أضحية العيد، من أبقار أكباش وماعز، لكن في الآونة الأخيرة يقتصر فقط على جلود الماعز نظرا لخفتها ومرونتها. تلف شخصية "بوجلود" سبعة جلود حول جسدها، وتقوم بطلاء وجهها إما بالصباغة أو بالفحم الأسود المدقوق الممزوج بالزيت ليعطي لمعانا للوجه، لتخفي تماما ملامح الشخص الحقيقية وإظهار ملامح شخصية "بوجلود"،التي تحمل في يدها رِجْل خروف، تطارد بها المارة، و أهالي القرى وضربهم من اجل جمع المال أو أي شيء تجود به أياديهم، من ورود و قمح وشعير و فواكه جافة، يعاد بيعها يوم إسدال الستار على الكرنفال، لمن يدفع أكثر.

تروي الحكايات الشعبية الشفهية، أن أصول هذا الطقس تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وتتحدث عن وحش إفريقي تتدلى منه الجلود، وكان يزرع الرعب في صفوف السكان، فيما ترجع حكايات أخرى أصل الظاهرة إلى زمن كان فيه اللصوص يتنكرون بأجلاد الحيوانات بغية سرقة أموال السكان، أساطير أخرى تتحدث عن أن ارتداء الإنسان للجلود و التشبه بالحيوان ما هو إلا تكريم و تقديس لهذا الكائن الحيواني الذي لازم الكائن البشري، أينما حل و ارتحل.

في إحدى المناطق بإقليم طاطا – تسناسمين- و في الأسبوع الموالي لعيد الأضحى، - و بالضبط يوم الخميس-  يتم نحر بقرة أو ثور، والذي يسمى في المتداول الاجتماعي للساكنة ب"الماااعروف"( دون نطق حرف العين) كما هو معروف في أمازيغية مدينة طاطا. ويكون النحر مرفقا بالزغاريد و الأهازيج الأمازيغية  وأبرز ما يردد فيها من أهازيج " تزاليت فلاك أنبي محامدي " ومعناها الصلاة عليك أيها النبي محمد.

 بعد صلاة عصر ثاني أيام النحر، يجتمع أهل القرية نساءا و رجالا، وكذا ضيوف الشرف القادمين من المناطق المجاورة، الكل يجتمع لحضور حلقية "هرما" التي يتحارب فيها الرجال فيما بينهم، مرتدين جلاليب بيضاء و أحزمة سوداء، والمنهزم منهم يتم إدخاله قسرا وسط الحلقية وربطه- حتى و إن كان ضيفا- إلى أن يتكفل أحدهم بالعفو عنه، إما بغرامة مالية أو عينية.

بينما يتحارب الرجال، تجد "بوجلود"المعروف في منطقة طاطا ب"شموتيت ن هرما"، تجده يطوف على المتفرجين لجمع المال أو ما تجود به أيديهم، والويل لمن يرفض فمصيره حتما سيكون الضرب. و هكذا دواليك إلى أن يرفع آذان صلاة المغرب، وتستمر الاحتفالات يوميا لمدة أسبوع تقريبا على نفس المنوال.

إذا نظرنا إلى شخصية "بوجلود" المقنعة، سنجدها ترتكز على عنصر المحاكاة والتقليد بالدرجة الأولى، الشيء الذي يجعلنا نعود بالزمن إلى الوراء، لمعرفة بدايات التمسرح والتي ربطها معظم المؤرخين للمسرح بالإنسان الأول الذي كان يعتمد على المحاكاة لخلق جو من التشويق تتولد عنه رغبة مقرونة بالفضول لمعرفة علاقة الإنسان بالحيوان من طرد و افتراس حتى يتم الإيقاع بالفريسة و اصطيادها ومن ثمة طهيها الشيء الذي يجعل الفضاء المسرحي مكتملا بامتياز ابتدءا من الجمهور مرورا بالشخصية الرئيسية و الثانوية، ووصولا إلى الإنارة و الصورة.

في الآونة الأخيرة تعالت مجموعة من الأصوات التي تحرم هذا الطقس و اعتبرته رجس من عمل الشيطان وأصوات أخرى دعت إلى مقاطعته باعتباره خطرا على أمن الساكنة خاصة في مدينة الدشيرة الجهادية، وفي اتصال مع الباحث في الأنثربولوجيا الدكتور "حسين اليعقوبي" يرى هذا الأخير أن شخصية ’بوجلود’ عادة قديمة لم تعرف بداياتها بالضبط،  لكنها الأكيد كانت قبل الإسلام، ولها أسماء متعددة حسب المناطق – "بوجلود"، "بويلماون"، "هرما", في منطقة سوس الكبير, "با الشيخ" على مستوى الريف, "بوعفيف" في الجزائر كما أن لها أسماء أخرى في جزر الكناري جنوب اسبانيا.

وفيما يتعلق بتصادف هذا الطقس وأيام عيد الأضحى يردف ذات الباحث أنه لا علاقة للعيد بهذا الطقس، ولكن لضمان استمراره وتعايشه مع الدين الجديد "الإسلام" آنذاك، تم اختيار أيام عيد الأضحى، خاصة وأن ما يحتاج له الطقس من جلود يكون بالوفرة في عيد الأضحى. وعن الأصوات التي تدعوا إلى قطع الصلة مع هذا الطقس يضيف اليعقوبي أن الإسلاميون هم من يروجون لمثل هذه الأفكار ضد طقس ’بوجلود’، لكن الجمعيات والسكان جد متشبثون بعاداتهم  قبل أن ينهي كلامه بأن السكان والمنظمين يراهنون على أن يصبح كرنفالا عالميا من شأنه أن يساهم في التنمية الاقتصادية للمناطق التي تحتفل به.  

وعلى مدار أسبوع تقريبا تستمر الاحتفالات – سوس الكبير، الصحراء، الأطلس، دكالة، الريف.- بشخصية ’ بوجلود’، وغالبا ما يختتم الكرنفال بالدعاء للأهالي بدوام الأمن، والتلاحم، و بحضور فرق الفنون الشعبية كل حسب منطقته –أحواش، أجماك، أحيدوس، الأناشيد، العيطة...-.

إن الثقافة الشعبية المغربية لفيها من الموروث ما يجعلها من أعرق الثقافات على وجه البسيطة،  لكن بعض الممارسات المشينة من الاستغلال والابتزاز للسكان باسم ’بوجلود’ تجعل سمعة الكرنفال و معها الثقافة الأمازيغية على المحك، الشيء الذي يجب أن تأخذه الجمعيات الفاعلة بالمجال و المجالس البلدية بعين الاعتبار، والإسراع بتقنين الكرنفالات، حتى لا يصبح هذا الطقس 

سيف ذو حدين وعوض أن يرتقي بالثقافة الشعبية المغربية درجات, تجده يهوي بها دركات.

زينة ايت يسين / باحثة في التراث المغربي

عدد التعليقات (0 )

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك

line adsense

تساقط كثيف للثلوج بمرتفعات إقليم الحسيمة

 شهدت المرتفعات الجبلية بالمغرب، خلال 24 ساعة الماضية الممتدة من صباح الأحد 28 إلى صباح الاثنين 29 دجنبر، تساقطات ثلجية كثيفة واستثنائية، همّت سلاسل الأطلس... التفاصيل

تجديد هياكل الفرع المحلي للجامعة الوطنية للتعليم بالحسيمة

 عقد الفرع المحلي للجامعة الوطنية للتعليم (ا.م.ش) بمدينة الحسيمة، يوم الأحد 28 دجنبر، جمعاً عاماً لتجديد هياكله التنظيمية، وذلك بحضور منخرطين يمثلون مختلف فئات قطاع... التفاصيل

بركان.. تشييع شقيق الدولي المغربي حكيم زياش في أجواء مهيبة

 شيّعت ساكنة دوار قنين، التابع لقيادة تافوغالت بإقليم بركان، جثمان الفقيد عصام زياش، شقيق الدولي المغربي ولاعب نادي الوداد الرياضي حكيم زياش، في أجواء مهيبة... التفاصيل

التجربة المغربية في مجال الإنصاف و المصالحة.. العدالة الانتقالية كمنهج سيادي

 بعد أكثر من عقدين على انطلاق تجربة العدالة الانتقالية في المغرب، لم يعد من الدقيق التعامل معها باعتبارها ملفًا أُغلق أو مرحلةً استُنفدت بانتهاء أشغال... التفاصيل

استنفار أمني بضواحي طنجة بعد العثور على جثة شخص مُتفحمة

 استنفرت مصالح الدرك الملكي والسلطات المحلية، صباح اليوم الاثنين 29 دجنبر، عقب العثور على جثة شخص ثلاثيني بأرض خلاء بمنطقة كزناية، بضواحي مدينة طنجة، في... التفاصيل

line adsense