rif category
rif category

حدود اعتماد إستراتيجية التعليم عن بعد.. والنية الحقيقية وراء تنزيلها

كتاب الرأي

30 مايو 2020 - 20:01

حدود اعتماد إستراتيجية التعليم عن بعد.. والنية الحقيقية وراء تنزيلها

قامت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي بعد تعليق الدراسة باعتماد إستراتيجية التعليم عن بعد، ومن ثم تعويض الدروس الحضورية بالدروس عن بعد لمحاولة ضمان إستمرارية التحصيل الدراسي، مما أثار الكثير من ردود الأفعال حول مدى الاستعداد المسبق للمغرب لاتخاذ مثل هذه الخطوة، الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات من قبيل: ما حدود اعتماد هذه الإستراتيجية في التعليم والتعلم؟ وما النية التي كانت وراء تنزيل هذه الإستراتيجية؟

يمكن من خلال تتبعنا للوضع التربوي بالمغرب منذ اعتماد إستراتيجية التعليم عن بعد أن نسجل مجموعة من الملاحظات التي تتعلق بحدود تنزيل هذه الإستراتيجية إلى أرض الواقع، وبالنية التي كانت وراء تنزيلها.

حدود اعتماد التعليم عن بعد في استكمال الموسم الدراسي:

تربويا: كما نعلم وتعلم الأسرة التربوية، فإن المغرب اعتمد منذ مطلع القرن 21م مقاربة حديثة في التعليم والتعلم، ألا وهي المقاربة بالكفايات، على غرار البلدان المتقدمة مثل كندا وبلجيكا...ونحن نعي جيدا بأنه لا يمكن الحديث عن هذه الأخيرة إلا إذا حضر التدريس بالوضعيات والاشتغال بأنشطة التعلم، مما يستدعي بشكل أو بأخر فاعلية المتعلم في بناء الدرس، ذلك لأن المتعلم أصبح يلعب دور المركز في العملية التعليمية التعلمية، فهو من وكلت له مهمة بناء تعلماته، أما المدرس فأضحى مجرد مساعد وميسرللمعرفة. الأمر الذي يتعارض مع اعتماد إستراتيجية التعليم عن بعد في بلدنا، بحيث أن هذه الإستراتيجية تعتمد على الإلقاء والتلقين ويقصي الحوار والتفاعل، وذلك من خلال اعتماد دروس جاهزة، سمعية- بصرية أو مرقونة، وهذا ما يخالف البيداغوجيات الحديثة والمعاصرة، ويعود بنا إلى المقاربة التي استغنينا عليها خلال أواخر التسعينات ألا وهي المقاربة بالأهداف، مع العلم أن بلدنا يجزم على عدم العودة إلى الوراء في اعتماد استراتيجيات التعليم، وهذا واضح من خلال تشبثه بما يسمى الآن التوظيف الجهوي لدى الأكاديميات (أطر الأكاديميات).

ينضاف إلى ذلك أن منظومتنا التربوية لم تكن مهيأة لخوض هذه التجربة، بما تتطلبه من وسائل وتقنيات حديثة وجد متطورة متاحة للتلاميذ والطلبة والمدرسين مثل التطبيقات التي تتيح إمكانية تفاعلية حية ومباشرة، وحتى لو توفرت هذه التطبيقات فلن تكون في متناول الجميع، ولا يمكن لجميع المتعلمين والمناطق الاستفادة منها.

  اجتماعيا: لا يمكن إحصاء الأزمات التي سببها التعليم عن بعد للمناطق القروية والأسر الفقيرة وذات الدخل المحدود، فنجد من بين هذه الأزمات اللا مساواة المجالية والاقتصادية التي لا تسمح لجميع المتعلمين بتحقيق فعل التعلم عن بعد، لأنه بالكاد يتصارع أوليائهم مع الحياة من أجل توفير لقمة العيش بتعبير بيان التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد.

هذه اللا مساواة هي أول اغتراب وتشيء يعانيه الإنسان داخل مجتمعنا لكونه يعلم بأن الفصل 31 من الدستور ينص على أن "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة". في حين أن هذا الأمر لا يجده على أرض الواقع حينما ينظر إلى أبنائه وهو في حيرة من أمره لا يملك الشروط المادية التي تمكنه من اقتناء ما يحتاجونه من الوسائل التكنولوجية اللازمة، بل ويقول أغلبية الآباء الذين يقطنون  في المناطق القروية حتى لو فعلنا وقمنا باقتناء هذه الوسائل فلا شبكة للأنترنت تصل إلى قريتنا، بل وفي بعض الأحيان نجد قرى لا تتوفر حتى على الكهرباء فكيف لهؤلاء الآباء والتلاميذ أن لا يشعرون بأنهم مقصيين مما يسمى ب"التعليم عن بعد".

هكذا يتضح لنا بأن التعليم عن بعد يزيد في تعميق الفوارق بين الطبقات الاجتماعية كما ذهب إلى ذلك "فيليب ميغيو" في حوار أجراه معه "إيمانويل فرانسيز"، وترجمه "خالد جبور" مؤخرا، بحيث اعتبر بأن التعليم عن بعد يزيد من التفاوتات بين الناس، وذلك لعدم استطاعة الكثير من التلاميذ الحصول على الانترنت، وعدم قدرة الآخرين على إيجاد مكان خاص للدراسة يكون منعزل عن أفراد الأسرة لكي يشتغلون في هدوء، ولكي يركزون على دروسهم.

النية وراء تنزيل التعليم عن بعد في هذه الوضعية التي يعرف فيها وطننا حالة خاصة بسبب فيروس كورونا:

يذهب العديد من الناس إلى أن الدولة لم تكن لها النية في اعتماد التعليم عن بعد قبل أن تسجل لدينا الإصابات بداء كورونا، لكن هذا غير صحيح، نعم الدولة لم تكن تعتقد وتتوقع مثل هذه الفرصة لتنزيل هذه الإستراتيجية لكن كانت ضمن خططتا التعليمية، بحيث نجد في المادة 33 من القانون الإطار الخاص بمنظومة التربية والتكوين ما يلي: "تنمية وتطوير التعليم عن بعد باعتباره مكملا للتعليم الحضوري" ثم نجد في نفس المادة "إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه". من هنا نستنتج بأن الدولة سخرت مجموعة من الخطط لتفعيل ما يسمى بالتعليم عن بعد حتى لا يتم رفضه من طرف أباء وأولياء الأمور بصفة خاصة والمغاربة بصفة عامة، ولعل الوضع الصحي الذي يعيشه بلدنا شكل فرصة مواتية للدولة لتنزيل هذا النموذج التعليمي، ولتجريب تفاعل المغاربة معه، ولكون الإجراءات المتخذة في ظرفية الحجر الصحي هذا تعطي المشروعية لتفعيل هذا النوع من التعليم فقد تم الإقرار به.

يوسف المرابط

باحث في سلك الماستر واستاذ للفلسفة

 

 

عدد التعليقات (0 )

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك

line adsense

الحسيمة.. الضمان الاجتماعي يُغرم ارباب مقاهي ومطاعم لم يصرحوا بأجرائهم

 قامت اللجنة الجهوية للمراقبة والتفتيش التابعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بزيارة مفاجئة الى عدد من المقاهي والمطاعم بمدينة الحسيمة، وتحرير محاضر تتضمن غرامات مالية ضد... التفاصيل

مشروع لفتح طريق الى جبل "مورو بياخو" من مدخل مدينة الحسيمة

 اعلنت عمالة اقليم الحسيمة، عن اطلاق الدراسات التقنية، لفتح طريق التفافي يؤدي الى جبل مورو بياخو، انطلاقا من مدخل المدينة. وياتي هذا المشروع لتسهيل وصول المواطنين... التفاصيل

المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية

 تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، اليوم الجمعة، من تفكيك خلية إرهابية تتكون من خمسة عناصر موالين لتنظيم “داعش” الإرهابي،... التفاصيل

حجز ازيد من 5 اطنان من الحشيش بالحسيمة

 فتحت المصلحة الجهوية للشرطة القضائية بمدينة الحسيمة بحثا قضائيا تحت إشراف النيابة العامة المختصة، اليوم الجمعة، وذلك لتوقيف جميع المتورطين في محاولة تهريب خمسة أطنان... التفاصيل

نقل 28 مهاجرا الى ميناء الميريا بعد اسبوع من صولهم الى جزيرة البوران

 أفادت منظمات حقوقية اسبانية ان البحرية الاسبانية، قامت اليوم الجمعة، بنقل 28 مهاجرا سريا، كانوا على جزيرة البوران وسط البحر الابيض المتوسط منذ يوم الجمعة... التفاصيل

line adsense