rif category
rif category

حول تعزيز الاستقلال المالي للجماعات الترابية

كتاب الرأي

2 فبراير 2021 - 14:00

حول تعزيز الاستقلال المالي للجماعات الترابية

    إن تحقيق التنمية المحلية يرتبط بشكل وثيق بمجالات التدخل التنموي للجماعات الترابية ودرجة استقلالها الإداري والمالي وتحقيق شروط مالية وموضوعية تتعلق بالاستقلال الجبائي ومأسسة التمويل الذاتي والمركزي وتحسين شروط تنفيذ الميزانية المحلية.

    فضعف التمويل الذاتي الذي تعرفه جل الجماعات الترابية يؤدي بشكل تلقائي لهيمنة التمويل المركزي عبر آلياته المختلفة على موارد الميزانية المحلية ،وأمام عدم وضوح معايير توزيع هذا التمويل وغياب أسسه القانونية يتيح لسلطات الوصاية تنزيل نظامها الخاص للتوزيع العمودي ( بين الدولة وأصناف الجماعات الترابية ) والتقسيم الأفقي ( بين الجماعات الترابية ).

    فهذا الوضع المقترن بالتحكم في الميزانيات المحلية يشكل آية توجيهية وتحكمية بامتياز في برمجة الميزانيات والمشاريع التنموية المحلية ،وهو ما يمثل مساسا مباشرا بالاستقلال المالي للهيئات اللمركزية.

    ويتعزز هذا المعطى بالاختصاصات القانونية التي تتيح من جانبها لممثلي السلطات المركزية التدخل المباشر في النشاط المالي المحلي ،وهو ما يستدعي تحديثا للنظام المالي المحلي نفسه ،بداية من خلال التأسيس له دستوريا ،كما تحتاج لتطوير تنظيمي ووظيفي عبر إرساء قواعد تناسب وموازنة مسألة التمويل وشكلياته ومضامينه ،مع توسيع مجالات المهام والاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية.

    فالاختصاصات المالية هي جزء من الاختصاصات العامة المخولة قانونيا للجماعات الترابية ،وممارستها على هذا المستوى تتعلق أساسا ببرمجة وتقرير وتنفيذ العمليات المالية المرتبطة بالميزانية المحلية والمشاريع التنموية ،وهذه الاختصاصات تتداخل فيه عمليا وواقعيا الهيئات المنتخبة والمعينة التابعة للسلطات المركزية من جهة ،كما ترتبط بالضمانات الدستورية والقانونية وبالقدرة على التدبير المالي للشؤون المحلية من جهة ثانية.

    كما أن الضمانات الدستورية للاستقلال المالي وبالرغم من نسبيتها فإن وجوده شأنها أن توضح مجالات التدخل التدبيري في مجال المالية المحلية ،ومن شأن ذلك أن يجعل ممارسة الاختصاصات المالية مخولة للهيئات اللامركزية كمبدأ أساسي لا ينتقص من أهمية الخضوع للوصاية أو الرقابة أو التدخل الاستثنائي للسلطات المركزية أو ممثليها المحلية.

    والحديث عن الضمانات الدستورية يعتبر ذا أهمية في سياق ضمان تنزيلها وترجمتها إلى نظام قانونية ملائمة التوسع منة مجالات التدخل المالي للجماعات الترابية وتعزز قدراتها التدبيرية على مستوى الميزانية والشؤون المالية.

    فتحقيق التنمية المحلية رهين بمدى قدرة الجماعات الترابية على ممارسة اختصاصاتها المالية بهيئاتها وأجهزتها المنتخبة ،وبمواردها الذاتية والمحولة ،وهذا المعطى يعد من بين أهم الحيثيات المرتبطة بتطوير الحكامة الجيدة على المستوى المالي ،فكلما كانت الجماعات الترابية قادرة على ممارسة اختصاصاتها المالية بحرية أكبر بغض النظر عن مستويات التمويل وتناسبه مع القدرات المالية ،وعلى برمجة ميزانياتها وتنفيذه بمعزل عن التدخل المباشر للسلطات المركزية ،إلا وتعززت درجة الاستقلال المالي.

    غير أن مختلف العناصر القانونية والتدبيرية تبقى في واقع الأمر جزءا من ضمانات الاستقلال المالي للجماعات الترابية ،ذلك أن القدرة على التدبير ترتبط في واقع الأمر بالقدرة على التمويل الذاتي للتكاليف المحلية ،واللجوء للتمويل المركزي يتعين أن يكون في إطار مقاربة تعتمد على ممارسة المهام والاختصاصات وتحقيق التنمية المحلية ،بدل الاقتصار على تحقيق التوازن المحاسبي الصرف للميزانية المحلية.

    فالميزانية المحلية باعتبارها القالب المحاسبي للنشاط المالي المحلي تسطر مجموعة من العمليات يتطلب إيجاد ضمانات مالية فعلية تؤهل من جهة الجماعات الترابية لتحقيق الاستقلال المالي.

    وعموما فتعزيز الاستقلال المالي المحلي يتعلق بمنظومة متكاملة ،تبدأ من الضمانات القانونية والمالية وتطال بشكل خاص وضع أسس هذا الاستقلال إداريا وماليا وتدعيم الجباية المحلية قانونيا وتنظيميا ،إضافة إلى ضبط آليات التمويل المحلي والمركزي وتوضيح المعطيات المتعلقة بملائمة التمويل وتناسبه مع تطور الاختصاصات وتوسع مجال التدخل التنموي للجماعات الترابية.

    كما أن إعمال وضمان الحكامة يعد شرطا أساسيا لتحقيق الديمقراطية ولمحاربة الفساد ،ولربط المسؤولية بالمحاسبة ،ويتطلب نجاح نظام الحكامة ،نهوض جميع الفاعلين على اختلاف مستوياتهم ومسؤولياتهم بالمهام المنوطة بهم طبقا للقوانين الجاري بها العمل مستفيدين في ذلك مما تمت مراكمة من ايجابيات على مستوى التجارب المقارنة والممارسات الفضلى. 

بقلم مصطفى كبيت

المراجع المعتمدة :

-أحمد مفيد :" الحكامة الجيدة على ضوء دستور 2011 " منشورات المجلة المغربية  للسياسات العمومية ’العدد 14 ،السنة 2015

-عبد اللطيف بروحو :" مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية " منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية remald 2011 .

 سميرة جيادي : "الحكامة الجيدة وتدبير الشأن العام المحلي " اطروحة لنيل الدكتوراه- في القانون العام،جامعة مولاي اسماعيل - مكناس-   

عدد التعليقات (0 )

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك

line adsense

المديرية العامة للأمن الوطني تحدث المنصة الرقمية الجديدة “إبلاغ” لمحاربة الجرائم الرقمية

 تميزت الدورة الخامسة لأيام الأبواب المفتوحة للمديرية العامة للأمن الوطني لهذه السنة، والتي تقام بمناسبة الذكرى ال68 لتأسيس المديرية، بإطلاق منصة رقمية جديدة تحمل إسم... التفاصيل

الناظور .. افتتاح فعاليات النسخة 12 من معرض "بلادي" بمدينة العروي

 أشرفت مساء يوم الخميس 16 ماي 2024 جمعية الوحدة لمغاربة العالم على افتتاح فعاليات الدورة 12 من معرض بلادي الذي تنظمه الجمعية بدعم من دار... التفاصيل

الاجهاز على الثروة السمكية باقليم الحسيمة.. جمعيات تدق ناقوس الخطر

 استنكرت تنظيمات جمعوية، ما اسمتها بالمجازر التي ترتكب في حق الثروة البحرية والبيئة البحرية، بسواحل اقليم الحسيمة. وعبرت كل من جمعية ثامونت للثقافة والأعمال الاجتماعية والسياحة... التفاصيل

رصد 600 مليون لتهيئة سوق الجملة للسمك بمدينة الحسيمة

 رصد المكتب الوطني للصيد ميزانية تقدر بحوالي 600 مليون سنتيم، لتهيئة سوق السمك بالجملة في مدينة الحسيمة، وهو المشروع الذي صادق عليه المجلس الاداري للمكتب... التفاصيل

تأسيس فرع نقابي لمهنيي سيارات الأجرة الكبيرة بجماعة النكور والنواحي

 احتضنت دار الشباب بدوار امنود بجماعة النكور، اليوم السبت 18 ماي، الجمع العام لتأسيس نقابة مهنيي سيارات الأجرة من الصنف الاول فرع (النكور والنواحي)، بحضور... التفاصيل

line adsense