rif category
rif category

الهجرة والتنشئة الإجتماعية.. جدلية السلب والأخد

كتاب الرأي

2 مارس 2020 - 12:08

الهجرة والتنشئة الإجتماعية.. جدلية السلب والأخد

لا شك أن الظواهر الإجتماعية مردها إلى طبيعة المجتمع و التنشئة الإجتماعية، فالمجتمع في كونه يحمل مجموعة من القيم و السلوكات والطقوس والمعتقدات هو الذي يساهم في ظهور وإنتشار مختلف الظواهر الإجتماعية والإنسانية لتصبح حقائق إجتماعية ووقائع متداولة مترسخة في أذهان البشرية و تنتقل عبر التنشئة الإجتماعية من جيل إلى جيل، حيث يختلف انتشار هذه الظواهر حسب كل مجتمع أو لنقل حسب كل قبيلة نظرا للإختلاف الثقافي الذي تخلقه الدوافع المتنوعة، والظروف الإجتماعية التي ينشأ فيها الفرد و المجتمع، وعلى قدر ثقافة كل مجتمع تتحدد هذه الظواهر سلبا أو إيجابا.إ

ن ظاهرة الهجرة فرضت نفسها كموضوع للتناول والتحليل بعدما كانت تحتكرها بعض الحقول العلمية  المعرفية نظرا لاتساعها وما ينجم عنها من مشاكل إجتماعية ( أزمة السكن، التضخم الحضري، الاندماج، الانحراف... ) هجر الوطن و الإستقرار في وطن غير الوطن الأصلي؛ لكل ظاهرة دوافع أساسية من وراء إنتشارها في كل المجتمعات إجتماعية أقتصادية و سياسية ...، و لكل سبب نتيجة شبه نهائية سلبية كانت أم إيجابية.

 الهجرة إنتقال من مكان إلى آخر بهدف الإستقرار في المكان الجديد و بعبارة أدق فهي الإنتقال من البلد الأم إلى بلد أجنبي، إنتقال فردي أو جماعي إعتقادا أنه مؤشر التحضر و التقدم و الإزدهار. فالهجرة لا تأتي هكذا عبثا ،دائما ما تكون هناك ظروفٌ عديدةٌ تُؤدّي إلى إنتشار هذه الظاهرة و إستمرارها و من أهمها سوء التنظيم الاجتماعي الذي يستدعي إعادة التنظيم الذي يؤدي إلى التفكك الفردي أو الجماعي ،والانحراف وغياب الرقابة أو ضعف الضبط الاجتماعي، فالهجرة نتاج لسوء التنظيم وتؤسس لسوء تنظيم أكثر. 

 إن سوء الأوضاع الإقتصادية بالبلاد تعتبر حافزا أساسيا للهجرة و مغادرة أرض الوطن و ذلك  بتراجع القطاع التجاري بسبب عدم إستثمار الأموال وتخزينها في البنوك بدل إستثمارها والعمل بها لصالح المنطقة والمجتمع عامة. 

إن البحثُ عن عملٍ أفضل غالباً مايكون الهدفُ والسّبب الرئيسيّ للهجرة من الدّول الأمّ إلى دولٍ أُخرى، نظرا لعدم توفر فرص الشغل وعدم وجود معامل وشركات كافية تستطيع أن تنقذ الشباب من البطالة وتجاوز فكرة مغادرة الوطن، وكذا قلة المدارس والجامعات التي تعد أساسا لتقدم وازدهار كل مجتمع في العالم بأسره لمتابعة الدراسة والقضاء على الجهل والأمية وقلة الوعي والتفكير بشكل سليم من أجل مجتمع يحمل ثقافة الموقف التي تساعد وتشجع على التجديد والإبداع والخروج من المنغلقات ... فكم من شخص هاجر أرضه ليتمم دراسته أو على حساب الأبناء لضمان مستقبلهم.

و لكن لا يمكن حصر الدوافع التي تنتشر من خلالها الهجرة في ما ذكرناه فحسب بل يمكن الحديث أيضا عن التنشئة الإجتماعية كسبب من أسباب إنتشارها .ف

بأي معنى يمكن اعتبارها سببا من أسباب إنتشار الهجرة ؟

 تهدف التنشئة الإجتماعية إلى تشكيل الكائن البيولوجي وتحويله إلى كائن اجتماعي، حيث يكتسب الأفراد من خلالها الضبط الذاتي والحُكم الخلقي بما في ذلك القيم والمعايير والتمثلات الاجتماعية والاتجاهات وأنماط السلوك … جدير بالذكر أيضا أنها سيرورة، تقوم على التفاعل الاجتماعي، مستمرة ومتغيرة على امتداد الحياة و مختلف مراحل النمو (طفولة، مراهقة، رُشد، شيخوخة). وكما يقول  إميل دوركايم  “أنها عملية استبدال الجانب البيولوجي بأبعادٍ اجتماعية وثقافية، تصبح هي الموجهات الأساسية لسلوك الفرد داخل مجتمعه”. 

تلعب التنشئة الإجتماعية دورا هاما في تقدم أو إنحطاط المجتمع، فالأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية بالمجتمعات الحضرية ليست نفسها في المجتمعات القروية وهذا راجع إلى الظروف الإجتماعية التي نشأ فيها كل مجتمع. و لربط الأولى بالثانية فإن مجتمعنا بصفة عامة يقدم نوعا من التشجيع على الهجرة بأشكال مباشرة وغير مباشرة عبر التنشئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل منذ صغره، لأنها ناتجة عن الأفكار والتمثلات التي تنشأ عليها منذ الصغر، فنجد على سبيل المثال الأم حينما تريد أن تعد إبنها بمستقبل زاهر تقول له ;ستكبر يا إبني وسأرسلك إلى أوروبا وسيكون لك مستقبلا أفضل من أصدقائك;هنا يظل حلم الطفل موقوف على الهجرة فحسب، حيث يظل متمسك بحلم الهجرة إلى غاية تحقيقه، و إن لم يستطع الوصول إليه يشعر بعدم الكمال حتى وإن كان عمله في وطنه شريف  أو كان في منصب راقي إلا أنه يظل دائما ينظر إلى نفسه نظرة إحتقار لأنه لم يحقق الحلم الذي تمسك به منذ نعومة أظافره. و من جهة أخرى نجد أن مجتمعنا للأسف الشديد ينظر نظرة ناقصة لمن لا يكون مستقرا في أوروبا و يعطي قيمة لا مثيل لها لمن هاجر واستقر خارج البلاد حتى لو لم يكن يستحقها، هنا نجد أن هذه القيمة التي تعطى للبعض وتسحب من البعض الآخر تلعب دورا هاما في خلق التنافس والصراع حول من يكون الأفضل ومن تكون له قيمة في المجتمع. 

عموما فالتنشئة الإجتماعية من ألمع الأسباب التي تساعد على إنتشار الهجرة خارج البلاد إلى جانب مجموعة من الأسباب الأخرى التي تساهم في انتشارها لهذا فالمجتمع يستدعي تنظيمه وتوجيهه لما يستطيع أن يذهب به نحو التقدم و الإزدهار بدل الإنحطاط و التفكير دائما في مغادرته. 

فاطمة الطكوكي

عدد التعليقات (0 )

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك

line adsense

هل ستحظى الحسيمة بمرٱب عمومي للسيارات؟

  أصبح غياب مواقف عمومية لركن السيارات بالحسيمة من أكثر المشاكل التي تواجه المسؤولين المحليين وحركية السير والجولان خلال موسم الصيف بالرغم من وجود ساحات واسعة... التفاصيل

الحسيمة.. افتتاح فعاليات الملتقى الإقليمي للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي

  تم اليوم الاربعاء 15 ماي، بقاعة 3 مارس بمدينة الحسيمة، افتتاح الملتقى الإقليمي للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي في نسخة الخامسة عشر. وينظم الملتقى الإقليمي للتوجيه المهني... التفاصيل

بعد دفنه.. استخراج جثة مسن توفي إثر شجار بايت قمرة

 بعد دفنه قبل أيام تم اليوم الاربعاء استخراج جثة مسن كان قد توفي إثر تعرضه لاصابات اثناء شجار مع جاره بدوار ازفزافن بجماعة ايت قمرة. وحسب... التفاصيل

الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا

 تمكنت عناصر المركز الترابي للدرك الملكي بالنكور ، من توقيف مروج مخدرات يشكل موضوع 6 مذكرات بحث على الصعيد الوطني من طرف الدرك الملكي و... التفاصيل

جنايات الحسيمة تدين والد المتهم في جريمة اصفيحة وتحكم عليه بعقوبة مشددة

 ادانت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، والد المتهم الرئيسي في جريمة القتل التي راح ضحيتها شاب بشاطئ اصفيحة الصيف الماضي، وحكمت عليه بعشر سنوات... التفاصيل

line adsense