English French German Spain Dutch

rif category

قيم هذا المقال

0

  1. الحسيمة: مشاريع مهيكلة جعلت من المنطقة وجهة سياحية رأئدة (0)

  2. رأي : تحولات المرأة الريفية.. من التستر الى التكشف في عصر مواقع التواصل (0)

  3. هزة ارضية خفيفة تضرب يابسة إقليم الحسيمة (0)

  4. الدرك يفك لغز جريمة قتل زوجين ورمي جثتيهما في بئر نواحي بن الطيب (0)

  5. الحسيمة.. ساكنة دواوير بجماعة امرابطن بدون ماء منذ عدة أيام (0)

  6. اختتام فعاليات دوري بني بوعياش لكرة القدم المصغرة (0)

  7. مقابلة امزورن ورجاء الحسيمة تنتهي بالتعادل في الميدان وتتواصل على "سوشيال ميديا" (0)

الكلمات الدليلية:

لا يوجد كلمات دليلية لهذا الموضوع

الرئيسية | في الواجهة | لمرابطي يكتب : زلزال الحسيمة والحق في السكن اللائق

لمرابطي يكتب : زلزال الحسيمة والحق في السكن اللائق

لمرابطي يكتب : زلزال الحسيمة والحق في السكن اللائق

يخلد المواطنون والمواطنات في أرجاء المعمور، بمناسبة حلول اليوم الثاني من أكتوبر، وفي كل سنة اليوم العالمي للحق في السكن اللائق، ويندرج هذا التقليد الأممي في المغرب ذو المنحى الكوني والحقوقي الأصيل، ضمن السياسات الاجتماعية التي يهتم بها مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية الذي دأب على إصدار أعماله في هذا المجال تحت عنوان " التقرير الاستراتيجي المغربي"  بشكل دوري ومنتظم خلال كل أربع سنوات، ابتداء من سنة 1995 من القرن الماضي إلى حين صدور تقريره الاستراتيجي الأخير الذي يغطي الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى غاية 2018 ، ولا غرو في ذلك ما دام أن علم حقوق الإنسان يمكن اعتباره كفرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية حسب التعريف الذي وضعه الديبلوماسي الفرنسي روني كاسان الحائز على جائزة نوبل للسلام وأحد مهندسي وواضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948، وقد ارتقى التقرير الاستراتيجي خاصة بعد صدور دستور سنة 2011 إلى إدراج الحق في السكن في إطار إعداد التراب الوطني وسياسة المدينة، التي تتماهى وحداتها مع مجال السياسات العمومية التي تسعى وراء الالتزام بتحقيق الحاجيات الحيوية ذات الأبعاد الاجتماعية، وقد تزامن هذا الوضع مع تحولات ساهمت في صنعها تلك الدينامية الحضرية المتمخضة بالتحديد عن مضاعفات النمو الديمغرافي والهجرة القروية المتسارعة مما أدى إلى إفراز وضع هجين على مستوى المجال الحضري بالخصوص رافقته بعض الاختلالات من قبيل بروز ظاهرة السكن الصفيحي أو السكن غير اللائق، وكذلك المباني المهترئة الآيلة للسقوط، وما يرتبط بذلك من التدهور الذي عرفته بعض المدن العتيقة، وغيرها من الاختلالات الأخرى .    

الحسيمة ودور المجتمع المدني في الإغاثة وتتبع آثار الزلزال وملاحظات فاعليه حول السكن اللائق :  

بعد الزلزال العنيف والمدمر الذي استفاق على هول فاجعته سكان منطقة الحسيمة ليلة يوم الثلاثاء الذي رافق انبلاج الطلائع الأولى من صبيحة يوم الأربعاء 24 فبراير 2004 وما نتج عن ذلك من وخز للضمير الإنساني بجراحاته وندوبه، وتداعياته المؤلمة التي شملت الأرواح والممتلكات والمساكن، فقد برز بجلاء منذ هذا البلاء الذي منيت به المنطقة المعضلة الحقيقية للسكن، وانعكست تجلياتها في أزمة كادت أن تكون مستفحلة، بعد أن انضافت إلى هذا الملف الشائك بعضا من العوامل التاريخية التي جعلته أكثر توترا وحساسية، فالحماية الإسبانية كما يقال خلطت الحابل بالنابل، وسلكت الطريق ذاته في ما يخص الأوراق المتعلقة بالملكية العقارية، ثم لجأت بعد ذلك إلى توزيعها بشكل مخالف للوضع الذي وجدته عليه قبل الحماية أو أثناءها، فتم وضع المالكين الأصليين من أهالي المنطقة أمام الأمر الواقع بشأن ما تبقى من أراضي جرداء غير مسيجة بالبناء، ومنذ هذا التاريخ والنزاعات العقارية في تنامي متواصل دون أن تعرف طريقها إلى الوقوف، ومما زاد من تعقيد مشكل البنية العقارية عدم قيام ساكنة الإقليم بتحفيظ أراضيهم، وهذه الأسباب كلها إضافة إلى معرقلات أخرى رئيسية جعلت الرصيد العقاري الحضري والشبه الحضري للدولة والجماعات الترابية يعرف نوعا من التراجع الملحوظ الذي أرخى بظلاله القاتمة ليس فقط على الحق في السكن وإنما أيضا وبشكل أكثر حدة حتى على الأثمنة المرصودة للكراء واقتناء الأراضي المعدة للبناء . 

 مباشرة بعد نكبة الزلزال، عرفت المنطقة أكبر تكتل جمعوي في تاريخها تشكل أساسا من الإطارات المدنية بالإقليم، وأطلق على نفسه اسم الهيئات المدنية للإغاثة ومتابعة آثار الزلزال، فقد كانت هذه التجربة المقدامة التي يمكن وسمها عن جدارة بالفريدة من نوعها لكونها جاءت كتتويج لحصيلة مفعمة من التراكمات والتجارب السابقة في العمل الجمعوي والإنساني، ولاعتمادها من جهة أخرى في عملها الميداني خططا استراتيجية مشتركة أصبحت في مستقبل الأيام نموذجا للاقتداء، خاصة بعد أن تم تدعيمها وترسيخ منهجها القائم على المبادرة من طرف العديد من الآليات الجمعوية المغربية والمحلية التي تقاسمت معها رؤيتها وتصورها في العمل والتواجد الفعلي والمباشر بجانب الساكنة، وهي الخطوة أو التجربة التي كان لها ما يكفي من الجرأة والشجاعة لكي تضع حدا لمسارها في العمل بعد أشهر قليلة من انطلاقتها خاصة بعد أن حضر لديها شعور عميق باستنفاذ اختصاصها الأساسي المتمثل في الإغاثة ومتابعة آثار الزلزال في الحدود التي كانت تسمح بها آنذاك الإمكانات والوسائل المتوفرة عادة لدى المجتمع المدني، والتي لا تحيد في الغالب عن آلياتها المبدئية المتمثلة في الترافع، الاقتراح، الوساطة، والتدخل عندما يقتضي الأمر ذلك، من أجل تقديم العون وتعزيز أواصر العمل المشترك، وفي نفس الوقت الرفع من وتيرة الجهود المتضافرة، وفي ظل هذه السياقات المشحونة بأجواء من القلق النفسي الذي كان يساور الأنفس وينيخ بكلكله الرتيب على المنطقة . 

فإنه لفرط ذهولنا من هول الصاعقة، ولشد ما كانت أبصارنا محملقة نحو مناطق معينة في المجال القروي حصل لديها إصرار كبير يرمي نحو تحقيق رغبتها العارمة في ضرورة استفادتها من بناء سكني كامل وبالمجان، هذا في الوقت الذي كانت فيه مؤسسات الدولة تقدم مساعداتها التي تستهدف إيواء منكوبي الزلزال وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار حجم الضرر ومقدار الخسائر التي حاقت بقاطني المنازل، لكي تقرر على ضوئه مدى إمكانات التعاون المتاحة التي يمكن بناء على نتائجها ترتيب أو تخصيص منح ومواد تصرف على شكل مساعدة تقدم للمواطنات أو المواطنين الذي ألم بهم الضرر، وبالتالي وحتى لا يكون هناك أي تمييز، فقد حاولت الدولة جاهدة عبر تكثيف مساعيها العمل على تحقيق التوازن المنشود بين جميع المناطق المنكوبة أو بالأحرى المفجوعة من جراء صدمة وآثار الزلزال .  

في هذا الإطار، وباعتباري أحد الفاعلين الحقوقيين بالمنطقة، ساهمت في هذا الصدد بمقال متواضع  نشر في أحد الصحف المحلية والجهوية يروم التدقيق وتوضيح الأمور من زاوية حقوقية صرفة أكثر مما هي قانونية، الآن وبعد انقضاء ردح من الزمن ينيف عن العقد الذي يفصلنا عن لحظة تحريره، لا مراء في أن مستجدات كثيرة قد طرأت سواء على مستوى الواقع وكذلك في الجوانب ذات العلاقة بالثقافة القانونية والحقوقية، لقد كان تناولي للموضوع يلزمني بصرف النظر عن التعليق الدولي العام السابع الذي يحمل الساكنة ويضغط عليهم من أجل إخلاء منازلهم قسرا وتحت طائل الإكراه، لكون حالة الحسيمة لا تندرج في هذا السياق، بل لها صلة وطيدة بالتعليق الدولي العام الرابع، الذي يعرض إلى الاتفاقية الدولية المندرجة ضمن مكونات العهد الاقتصادي والاجتماعي الذي أقر بصريح العبارة الحق في السكن اللائق في مادته 11 ، وهو حق لا تنطبق عليه صفة الإطلاقية، إذ تقيده المادة الثانية من نفس العهد التي تلزم الدول الأطراف في المعاهدة باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان الإنفاذ الفعلي التدريجي لهذا الحق، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتوفرة، مع تنصيصها بالمناسبة على الأهمية الكبرى للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر .   

إن التعليق الدولي العام رقم أربعة، ينسحب على الآليتين التعاقدية وغير التعاقدية في الوقت ذاته، فهو حصيلة طبيعية ونتيجة لجهود وإجراءات الخبراء والمقررين الخواص، وفي نفس الوقت يأتي كاستجابة ملحة لضغوطات المجتمع المدني في تفاعلها الإيجابي مع أجهزة ولجن الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في ارتباطها المتلاحم مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تم في هذا الإطار رصد عناصر سبعة تعتبر مدخلا ملائما نحو الحق في السكن اللائق، من بينها : الصلاحية للسكن، وأن يكون السكن سهل الوصول إليه، وأن يكون الموقع مناسبا، وملائما من الناحية الثقافية، مع وجود القدرة على تحمل تكاليف هذا السكن في حدود معينة لا تتجاوز 25 في المئة من الدخل، وإلا عد مبالغا فيه، ينضاف إلى ذلك مبادئ الحكامة المستلهمة من جوهر  القانون الدولي، من قبيل المساواة بين الجنسين في الحصول على السكن اللائق، وعدم التمييز، والتطبيق التدريجي مع تحكيم القانون، وغيرها من المبادئ المتبقية، ويبدو واضحا من خلال استعراضنا لهذه المبادئ والعناصر المؤسسة للحق في السكن على ضوء المعايير الدولية في المجال الحقوقي، مدى مراعاة المنظومة الحقوقية لكل من القدرة على تحمل جزء من نفقة المصاريف في السكن اللائق، وكذلك مسألة التنفيذ الفعلي والتدريجي، شريطة أن ينحصر  الإنجاز لهذا الحق الاجتماعي في أمد زمني معقول، وحتى لا يتحول إلى ذريعة لتنصل الدول الأطراف في المعاهدة من التزاماتها الدولية، ومن جهة أخرى تلافيا لأي فهم تعسفي لبعض مقتضيات العهد، على شاكلة : " له ولأسرته " الذي صيغ وفق هذا الأسلوب خلال تلك الفترة المبكرة من سنة 1966 أثناء احتدام الحرب الباردة بين المعسكرين، وتعاليا عن كل ما من شأنه أن يضفي عليه طابعا ذكوريا وتمييزيا يقصي جنس المرأة أو أسرتها من حقها في السكن اللائق .  

كما أن القضاء على أحياء الصفيح الخمسة بمنطقة إقليم الحسيمة، والشروع في إعادة الإعمار وإقامة البناء المضاد للزلازل، لم يأت فقط بعد التصريح الذي قدمه في الموضوع السيد الوزير الأول آنذاك في عمالة إقليم الحسيمة خلال شهر مايو من سنة 2004 ، بل يمكن القول من جهة أخرى أنه حصل بالأساس كتفاعل مع السياقات الدولية في عموم مستجداتها المتعلقة بترجمة توصيات الإعلان بشأن المدن والمستوطنات البشرية الأخرى في الألفية الجديدة على أرض الواقع، إنه موئل الأمم المتحدة الذي اعتمد كإعلان ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 07 في دورتها الاستثنائية الخامسة والعشرين بتاريخ 09 يونيو 2001 ، وهو الموئل الأممي الذي يكرس مسارات النجاح في إدارة الكوارث والمدن الأكثر أمنا، وكذلك تعزيز التعاون الدولي في مجال المأوى والتنمية المستدامة للمستوطنات البشرية، وصولا إلى الحجر الأساس المتمثل في توفير المأوى الكافي للجميع، وتطوير الإسكان والسياسات الإسكانية . 

الحسيمة بعد زلزال 2004، ودور السياسات العمومية والآليات الدولية في الارتقاء بالحق في السكن اللائق :

وفي هذا السياق، ومن أجل التصدي لمعضلة السكن فقد عمدت الدولة إلى إحداث أربعة صناديق للضمان يستفيد من مفعولها الإيجابي مختلف الطبقات الاجتماعية في جميع أرجاء المغرب، وأول هذه الصناديق المنشأة يتعلق بصندوق " فوكاريم "  وقد عرف بقروضه التي يقدمها لأصحاب الدخل البسيط وتمكن من تحقيق نتائج مبهرة، ثم صندوق " فوكاليف " الذي يهم بشكل مباشر منخرطي " مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين " الذي يستفيد منه على وجه التحديد نساء ورجال أسرة التربية والتكوين بالمغرب، وقدم هذا الصندوق بمنطقة إقليم الحسيمة خدمات جليلة لشغيلة التربية والتعليم التي تهم عملية النهوض بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة خصوصا بحقهم المشروع في السكن اللائق الكائن بحي ميرادور، دون أن نغفل بالطبع الأهم بكثير، وهما صندوقي " فوكالوج العمومي " الخاص بموظفي القطاع العمومي، و" فوكالوج الخاص " الذي يستفيد من خدماته أجراء ومستخدمي القطاع الخاص. 

وتبدت التمظهرات الفضلى والانعكاسات الإيجابية لصندوق " فوكاريم " في كل من الحسيمة وجماعتي إمزورن وبني بوعياش بالخصوص، وبعد أن كانت العديد من الشرائح الاجتماعية التي ينعدم لديها الاستقرار على مستوى المهن التي تمارسها، مقصية أو محرومة من الاستفادة من القروض البنكية التي تتيح لها إمكانية الإحراز على السكن اللائق الذي يناسب وضعها الاجتماعي نظرا لغياب الضمانات الكفيلة بتخويلها الاستفادة من هذا الإجراء المالي الذي كان إلى عهد قريب جدا حكرا على المنتسبين إلى أسلاك الوظيفة العمومية فقط دون غيرهم، فإن صندوق " فوكاريم " حل كهبة من السماء وجاء ليدخل البهجة وروح الأمل في صدور الحرفيين والباعة المتجولين والأجراء الغير المهيكلين في إطار قوانين قارة وبالتالي غير مصرح بهم لدى مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لذلك حرصت الدولة في المقابل على استحضار مدى الأهمية القصوى التي يلعبها السكن اللائق في حياة المواطنات والمواطنين والآمال الكبيرة التي يعقدونها من خلال سعيهم الجاد نحو تحقيق مطمحهم المتجسد في حصولهم على سكن يمتلكونه لأنفسهم مدى الحياة، لتقرر من أجل ذلك وفي إطار تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة بشأن الإدماج الاجتماعي والتعويض الفردي لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات الجمر والرصاص تمكين الضحايا وأفراد أسرهم وفتح المجال أمامهم للاستفادة من السكن الاجتماعي ليس في الحسيمة فقط، بل في عموم المناطق المغربية المعنية بهذا النوع من الانتهاكات، وسعت نحو تعويضهم عما ضاع منهم من فرص خلال مسار حياتهم، وأيضا بسبب الظروف الصعبة لدى العديد منهم، والناجمة بالأساس إما عن مخلفات اختفائهم القسري أو اعتقالهم التعسفي .  

إن وضعية السكن على المستوى الدولي تعرف حيثياتها التباسا جد معقد، وتباينا بين الدول الأوروبية نفسها، وتفاوتا صارخا بين الدول الإسلامية والعربية والمغاربية، ومكمن ذلك يرجع إلى كون أغلب الدول الإفريقية تجد ميلا كبيرا نحو تعاملها مع الحقوق المدنية والسياسية أكثر من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نظرا  لارتفاع كلفة هذه الأخيرة ومرور معظمها بضوائق مالية وأزمات اقتصادية خانقة، وتظهر للعيان أولى بوادر هذا الاختلاف على مستوى الأنظمة الداخلية والقوانين الوطنية، فالدستور الفرنسي لا يضمن الحق في السكن ولا ينص على ذلك بشكل صريح، عكس الدستور المغربي الذي نص في الفصل 31 على الحق في السكن اللائق، ولكن قانون الالتزام الوطني الفرنسي حقق تقدما كبيرا في الارتقاء بسياسة الإسكان، وضمن حق الولوج إلى ملكية السكن لعدد كبير من المواطنات والمواطنين الذين ارتفعت نسبهم المئوية في الاستفادة بشكل ملفت للانتباه أثناء السنين الأخيرة . 

وبالنسبة لسويسرا فقد نص دستورها على الحق في السكن، لكن سياستها الإسكانية طبعتها هشاشة كبيرة وضعف بين فوت الفرصة على أكثر من ثلثي السويسريين في عدم الوصول نحو امتلاكهم للسكن، ونفس الإخفاق تقريبا رافق السياسة المنتهجة من لدن الجزائر في مجال الإسكان، على الرغم من الجهود التي تبذلها هذه الأخيرة، وتمثل ذلك في القلق الشديد الذي كشفت عنه اللجنة الأممية المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مجال الاستعراض الدوري الشامل حينما قدمت الجزائر تقريرها الثاني أمام المنتظم الدولي، وذلك بسبب النقص الحاد الذي يهيمن على سياستها التدبيرية في قطاع السكن الاجتماعي بالخصوص، خلافا لسياسة تونس الإسكانية الموسومة على العموم بنوع من النجاح والتقدم الملحوظ . 

على المستوى الوطني في المغرب، يكاد ينفرد على مستوى الإصدارات في الساحة الثقافية والحقوقية المؤلف القانوني والاجتماعي الذي صدرت طبعته الأولى في 2018 ، وهو الكتاب القيم الذي أصدره الدكتور سعيد الوردي تحت عنوان : " الحق في الولوج للسكن اللائق- محاولة في التأسيس على ضوء المواثيق الدولية والتشريع الداخلي " ويحيل نص الكتاب على عمق وجوهر السياسة الوطنية المتبعة ببلادنا في مجال الإسكان والجهود التي ما فتئت تقوم بها الحكومات المغربية في هذا النطاق، مع عرض لأهم قوانيننا الوطنية المنظمة للحق في السكن، ويشير على سبيل المثال لا الحصر إلى قانون الإيجار المفضي إلى تملك العقار الحامل لرقم 51,00 الصادر سنة 2003، ومن بين ما يتضمنه هذا القانون المساحات ذات البنايات العقارية التابعة للجماعات الترابية المنتخبة ومندوبيات أملاك الدولة (= الأملاك المخزنية سابقا)، والذي جاء كنتيجة للحوار الاجتماعي في 1996 بين الحكومة وممثلي الأجراء والمؤاجرين، ومن بين أهدافه الأساسية الحد من ظاهرة السكن غير اللائق، وبسط ميكنزمات الولوج لضمان السكن اللائق . 

كما تطرق الباحث في مؤلفه إلى تمظهرين تنعكس تجلياتهما بوضوح كامل في البنية العقارية التي تعرفها منطقة إقليم الحسيمة، وساعد هذين العاملين بشكل فعال في ولوج العديد من مواطنات ومواطني الإقليم نحو حقهم في الاستفادة من السكن اللائق، خاصة بعد الزلزال المروع الذي هد بنية وأرجاء الإقليم خلال سنة 2004 ، يتعلق الأمر بثقافة سكنية جديدة لم تكن مألوفة من ذي قبل، ولم تعتد عليها الساكنة في سابق أيامها، وقد عرفتها مؤخرا هذه المدينة الفتية وضواحيها العريقة، إنه القانون رقم 44,00 الذي ينسحب على بيع العقار وهو لا يزال في طور الإنجاز والذي خرج لحيز الوجود سنة 2002 ، في حين يتجلى التمظهر الاستراتيجي الثاني الذي تعرض إليه المؤلف في كتابه من خلال نصه على " تعبئة وتجهيز وتهيئة عقارات الدولة ووضعها تحت تصرف المنعشين العقاريين، وتقديم التسهيلات اللازمة لمنح القروض وضمانها " ص : 202 /203 ، دون أن نتغافل بالطبع عن دور التعاونيات السكنية الحديثة النشأة بالمنطقة، والتي أصبحت تتغلغل بتوءدة وعلى مهل لتساهم من جهتها في الرفع من مكانة السكن وقدراته الاستيعابية بعموم الإقليم . 

على سبيــــــــل الختــــــــــــــــــم :

ثمة مستجدات كثيرة لها صلة بالحق في السكن اللائق، قانونية بالأساس وحقوقية ذات طبيعة جدلية مترابطة يكمل بعضها البعض، تهم إقليم الحسيمة باعتباره جزءا من المغرب، ما يسري عليه ينطبق على كافة المناطق الأخرى من الوطن ، من ذلك جدول أعمال الموئل المنبثق عن مؤتمر أسطنبول المنعقد بتركيا سنة 1996 ، والذي تمت تزكيته بقرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2001 ، ومن بين ما يتضمنه في محتويات قراراته وقوفه المتأني عند إدارة الكوارث والمدن الأكثر أمنا، وكذلك إضافة مفهوم " سياسة المدينة " الجديد الذي شرع في البروز على الصعيد الوطني ابتداء من سنة 2013 ، والاختلاف الذي رافق مساره ليستقر الأمر على تعريفه بكونه سياسة شاملة للتنمية الحضرية، يركز في آلياته على التصدعات الاجتماعية لتحقيق التماسك الاجتماعي في الأحياء المهمشة بناء على ما ورد في التقرير الاستراتيجي المغربي الدوري لسنة 2018 . 

ثم الأخذ بالعناية الكاملة أيضا نسبة الفائدة المحددة في القروض البنكية المخصصة لفائدة السكن والبناء الاجتماعي، إذ المطلوب في مثل هذا الوضع السير على منهج فرسا التي تحدد نسبة الفائدة لمواطنيها في 0 % ، مما شجع إحدى الدول المغاربية على الاقتداء بفرنسا في سياستها السكنية المشجعة، وجعل نسبة الفائدة لديها تنخفض تباعا لتتراوح بين 1 و0 % . 

عموما فإن الحق في السكن اللائق يبقى من بين المعضلات الاجتماعية التي تستوجب التعاون وبذل الجهود الحقيقية الكفيلة بتحقيق هذا المطلب الحيوي، لذلك وجدنا أن تبعات هذا الإشكال يثقل كاهل الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، وعليه فإننا لن نستغرب كثيرا عندما ننتقل إلى العهد الدولي الاقتصادي والاجتماعي الذي فصل وأفاض في تناول الحقوق المتعلقة بالعمل والتغذية والصحة والتعليم، إذ أن الالتزامات الدولية الخاصة بهذه الحقوق السالفة الذكر أكثر وضوحا ومفهومة بشكل أكثر فاعلية من تلك الإحالات الحقوقية الخاصة أو المتعلقة بالحق في السكن اللائق الذي لم يشر إليه العهد إلا مرة واحدة فقط.  

محمد لمرابطي

مشاركة في: Twitter Twitter

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 )

-1-
بلحسن
13 أكتوبر 2018 - 23:38
الاستاد المرابط اشرف انسان عرفته في حياتي النزاهة الإستقامة الثبات والحكمة
مقبول مرفوض
0
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

أضف تعليقك

المرجو عدم تضمين تعليقاتكم بعبارات تسيء للأشخاص أو المقدسات أو مهاجمة الأديان و تحدف كل التعليقات التي تحتوي على عبارات أو شتائم مخلة بالأداب....

للكتابة بالعربية

rif media