
قيم هذا المقال
شباب أمازيغ يعلّقون مشاركتهم في دينامية "جيل زد" احتجاجا على تصريحات مسيئة للهوية الأمازيغية (0)
تلاميذ نواحي اقليم الحسيمة يحتجون على غياب المياه بمراحيض المؤسسات التعليمية (0)
قضية اختفاء مروان المقدم..معطيات جديدة بخصوص تسجيلات الكاميرات (0)
- الحسيمة.. اندلاع حريق بحي آيت موسى واعمر بمدينة إمزورن
- شباب أمازيغ يعلّقون مشاركتهم في دينامية "جيل زد" احتجاجا على تصريحات مسيئة للهوية الأمازيغية
- تلاميذ نواحي اقليم الحسيمة يحتجون على غياب المياه بمراحيض المؤسسات التعليمية
- قضية اختفاء مروان المقدم..معطيات جديدة بخصوص تسجيلات الكاميرات
- لفتيت: توسع قياسي في زراعة القنب الهندي المقنن
- تسجيل هزتين أرضيتين قبالة سواحل اقليم الحسيمة
- مصرع شخص في اطلاق نار جنوب اسبانيا
- حجز كمية كبيرة من الحشيش بمدينة الحسيمة
ما مدى تأثير قرارات الرئيس الأمريكي بشأن الرسوم الجمركية على السوق التجارية العالمية؟

د. جمال الخمار*
ما مدى تأثير قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن الرسوم الجمركية على السوق التجارية العالمية؟ - دراسة قانونية في إطار القانون الدولي الخاص المقارنة-
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية سوقا مهمة مفتوحة، وتبرم عقود تجارية بين أطراف ينتمون لدول عدة حول العالم، وبسبب الزيادة الترمبية على الرسوم الجمركية قد تجعل التجارة الدولية مرهقة ومكلفة، وقد تصبح مستحيلة، وهذه الظروف الإستثنائية يتحتم الخروج عن القواعد الدولية المتعلقة بالتجارة الدولية في الحالات العادية المتعلقة بتنازع القوانين و تنازع الاختصاص القضائي الدولي والتحكيم الدولي، لأنه لا تكفي لمواجهة هذه الظروف الصلاحيات التي يتمتع بها أطراف العقد التجاري من حرية في الاوضاع العادية، فيجيز للدول عندئذ التدخل لحماية المتعاقدين التجاريين جراء وجود " القوة القاهرة" التي تحول دون تنفيذ العقد التجاري الدولي، فهناك مشروعية استثنائية تعد أساسا للخروج عن مبدأ " القوة الملزمة للعقد التجاري" و " العقد شريعة للمتعاقدين"، وتعتبر الإجراءات المتخذة في ظل القرارات الترمبية غير مشروعة وفق المبادئ الأساسية للقانون الدولي القائمة على حرية التجارة الدولية.
ونظرا لحداثة موضوع القرارات الترمبية المتعلقة بالحماية الجمركية وتأثيراتها السلبية على التجارة الدولية، باعتبار هذه الأخيرة ظرف استثنائي تلزم مراجعة العقد التجاري الدولي وتعديله أو انهائه حسب الأحوال طبقا للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع، سيما وأن كثيرا من الدول تمر بظروف عصيبة جراء تنفيذ هذه القرارات، والناتجة عن توقف عجلة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، التي قد تفرز أثارا وخيمة أكثر وقعا من الأضرار المتعلقة بالتضخم والكساد في حد ذاته.
من المرجح أن تواجه الشركات ضغوطا لأسباب عدة: النقص في المواد، والنقص في طاقم العمل والعمالة، والقيود المفروضة على حركة الأشخاص، والقيود المفروضة على تنفيذ العمليات التشغيلية، وسائر الإجراءات التشريعية والإدارية، وإعسار المقاولين والمقاولين من الباطن والموردين، وهذه كلها أمثلة فقط. لذلك تطلب منا الأمر دراستها لبيان الأثار السلبية لهذه القرارات الترمبية على التجارة الدولية، ولعل أبرزها تتمثل في امكانية موائمة واستيعاب تلك الخطط المتعلقة بالحماية الجمركية والتي صبت مجملها في اتخاذ حزمة من الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية، الكفيلة بمواجهة تأثير هذه القرارات على القطاعات الحيوية بالدول، بتأمين الحياة اليومية للمواطنين من خلال ضمان حرية التجارة.
وبما أن فلسفة التشريع في شموليتها مبنية على ضرورة تدخل القاعدة القانونية كل ما دعت الحاجة إلى ذلك، فإن الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة للعلاقات التجارية الدولية بسبب وجود علاقات تعاقدية يتزاحم فيها قانونين متعارضين أو أكثر، صادرين عن دولتين أو أكثر، لحكم هذا العقد التجاري ذي العنصر الأجنبي الواحد، على الأقل.
فمعنى هذا أن المشاكل التي تترتب على العقد التجاري الدولي لا تثور أصلا إذا كان العقد المتنازع بشأنه وطني في كل العناصر التي تتألف منها، فإذا كان النزاع المعروض على المحكمة المغربية يدور مثلا، حول عقد تجاري مبرم في أمريكا، بين أشخاص يحمل كل منهم الجنسية المغربية، فلا جدال في وجوب تطبيق المحكمة للقانون المغربي في ظل تنفيذ القرارات الترامبية.
لكن في الوقت الذي تتضمن فيه العلاقة القانونية المترتبة عن ابرام عقد عنصرا أجنبيا ينتمي للولايات المتحدة الأمريكية، حينئذ يصح الحديث عن قيام تنازع القوانين، فيتطلب الأمر بالتالي العمل على معالجة هذا التنازع بواسطة القواعد الدولية الخاصة التي يتعدى نطاق تطبيقها حدود الدولة، وتمس الحقوق الاقتصادية للطرف المغربي الذي أبرم عقد تجاري دولي وفق ظروف اقتصادية عادية، إلا أنه قد تفاجئ بتغير القيمة والتكلفة الاجمالية المرتفعة لهذا العقد.
وبناء عليه فهذه الظروف قد تفرض اتخاذ حلول استباقية لتلافي تأثير وانعكاسات اجراءات تنفيذ القرارات الترمبية على مختلف الروابط والتنظيمات القانونية ذات الصلة بالالتزامات التعاقدية التجارية، والالتزامات المالية للأفراد والمقاولات المغربية، وعقود التوريد المختلطة المغربية والأمريكية، وغيرها من العقود، فالعقود التجارية الدولية إما أن تخضع إلى قوانين دولة القاضي وإما إلى القانون الأجنبي، واختيار كل قانون من هذه القوانين لحكم النزاع، ولسبب خارج عن إرادة المتعاقدين بسب القرارات الترمبية، سيجد العديد من المتعاقدين أنفسهم في موقف يتعذر عليهم عمليا الوفاء ببعض أو كافة التزاماتهم التعاقدية التجارية الدولية ويضطرون فيه إلى السعي، بأي وسيلة ممكنة، إلى طلب إعفاء من التنفيذ مؤقتا أو دائما.
وقد أبانت هذه القرارات الترمبية على مصائب جمة قد تشل معظم الأنشطة التجارية والمدنية العالمية ، وقد توقف جميع المبادلات التجارية بسبب ما بتته في الأنفس من هلع ورعب، نتيجة تنفيذ هذه القرارات، وهذا ما جعل العديد من العقود التجارية الدولية المبرمة من طرف الأفراد أو المقاولات في مهب الريح.
وعلى هذا الأساس فتكييف العقود التجارية الدولية تتطلب من القاضي بذل مجهود كبير على اعتبار أنه يجد نفسه في مواجهة بعض الأوضاع القانونية التي لا عهد له بها في قانونه الوطني، تماما مثلما حدث حاليا بالنسبة لقرارات ترمب، فيمكن تكييف هذه الأخيرة بأنها قوة قاهرة والآخر ظرف طارئ واستثنائي وحدث فجائي.
وكل حكم من هذه الأحكام حول تحديد الطبيعة القانونية للقرارات الترمبية، سترتب آثار خطيرة على العقود التجارية الدولية أي كانت مقاولة أو إيجار أو عمل أو توريد أو نقل السلع وتوريدها، والعقود التمويلية والبيوعات وعقود الـتأمين وغيرها. فسبل الانصاف التعاقدية والقانونية المحتملة والمتاحة في ظل هذه القرارات تبقى ضيقة، فيكفي الاستناد إلى بنود القوة القاهرة أو الزعم بأنه تم فسخ العقد لاستحالة التنفيذ بموجب القانون الوطني للأجنبي للتخلص من أي التزام عقدي دولي.
أولا: السوق التجارية العالمية في ظل التداعيات السلبية للخطط الاقتصادية الترمبية
تشهد الأسواق العالمية انهيارات متتالية من طوكيو إلى وول ستريت، في ظل تصعيد خطير للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. في الوقت الذي ترد فيه بكين بتعريفة جمركية مماثلة على السلع الأميركية، يهدد الرئيس دونالد ترمب بالمزيد من الإجراءات العقابية.
وبناء عليه فحرية التجارة الدولية في ظل هذه الحروب التجارية أصبح شبه مستحيل، ويؤدي إلى انهيار التجارة العالمية وسلاسل التوريد، ورفع نسب البطالة، ودفع الاقتصاد العالمي نحو مرحلة من الركود التضخمي.
مما ينذر بصراع مفتوح سيدخل العالم في حرب تجارية حقيقية، ستكون له انعكاسات كارثية على تنفيذ العقود التجارية، ما يحدث اليوم ليس مجرد خلاف تجاري عابر، بل هو انقلاب على قواعد الاقتصاد العالمي التي تشكلت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فالعالم بات على أعتاب كساد تضخمي واسع النطاق، إذ تتزايد مؤشرات الركود في أكبر الاقتصادات، وتتسارع معدلات التضخم، وتتزايد حالات الإفلاس وتسريح العمالة، في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمات 2008 و1929، ولكن بطابع أكثر تعقيدًا بسبب تشابك سلاسل التوريد، وانكشاف الاقتصاد العالمي بعضه على بعض.
وتجدر الإشارة إلى أن الخسائر لا تقتصر على الصين والولايات المتحدة، بل تمتد لتطول دولًا فقيرة ونامية لا حول لها ولا قوة، تعتمد على الاستقرار التجاري العالمي لتصريف منتجاتها وتأمين احتياجاتها الأساسية عن طريق إبرام العقود الدولية الخاصة. وحتى إن حلفاء واشنطن الاقتصاديين، من كندا إلى المكسيك وأوروبا، لن يكونوا بمنأى عن العاصفة.
فالقاضي المغربي الذي يبت في المنازعات التجارية الدولية في ظل هذه الأزمات المتعلقة بالرسوم الجمركية، يجب أن يكون قد طبق في هذه الخصومة التي عرضت عليه قواعد القانون الدولي الخاص، والتي صدر فيها الحكم المطلوب تنفيذه في المغرب على سبيل المثال القانون الواجب التطبيق وفقا لقاعدة الاسناد المغربية، وهذا الأمر سيكون له مجموعة من الارتدادات والأثار السلبية على الاقتصاد.
ولأهمية القانون الدولي الخاص المختص انطلاقا من التطبيق السليم لضوابط الإسناد المنصوص عليها في التشريع المغربي، من خلال إعمال قواعد القانون الدولي الخاص في ظل الأوضاع العادية لحل مثل هذه المنازعات من خلال إسناد الاختصاص للمحكمة المختصة و البت في النزاع تبعا للقانون الذي تحيل عليه ضوابط الإسناد، و اللجوء كذلك للتحكيم إذا تم إدراجه في العقد، غير إنه قد يتم استبعاد هذه الضوابط وتطبيق القانون الوطني وإسناد النزاع للمحكمة الوطنية واستبعاد التحكيم في ظل الأزمة الترمبية لاستبعاد القانون الذي يفرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع المغربية لمخالفتها للنظام العام الاقتصادي، أو الاستناد لمبرر عدم احترام ضوابط الإسناد المتعلقة بالعقود الدولية الخاصة المنصوص عليها في القانون المغربي.
ولأنه من الممكن تطبيق القانون المغربي في دولة أجنبية قد فرضت رسوم عالية على عقود دولية تتضمن توريد سلعة معينة مغربية، طبقا لقواعد الاسناد لهذه الأخيرة، يجب اعتبار القانون الأجنبي الذي يفرض رسوم جمركية مرتفعة مسألة من مسائل الواقع، لأنه لا يفترض في القاضي الوطني العلم إلا بقانونه الوطني تطبيقا لقاعدة " وجوب علم القاضي بالقانون" واستنادا إلى قرينة النشر في الجريدة الرسمية بدولته، وبما أن القانون الأجنبي لا ينشر في الجريدة الرسمية لأي دولة أخرى غير دولة مشرعه، فإن هذه القاعدة لا تنطبق بالنسبة للقانون المغربي، وبما أنه يكاد من المستحيل على القاضي الوطني أن يعلم بجميع التكييفات القانونية والقضائية الأجنبي، والتي تتعدد بتعدد العقود الدولية الخاصة المبرمة في جميع أنحاء العالم نتيجة اختلاف ظروف الاسناد.
ثانيا: الحلول المقترحة لمعالجة الإنعكاسات السلبية للقرارات الترمبية على السوق التجارية العالمية
يتضح من خلال ما سبق أنه يجب استبعاد القانون الأمريكي المختار صراحة أو ضمنيا لأسباب التنفيذ الفجائي للقرارات الترمبية المتعلقة بالحماية الجمركية الذي تعينه قاعدة الإسناد، ومادامت هذه الأخيرة " ظروف طارئة"، وإن لم ينص على ذلك في صلب قانون الالتزامات والعقود، والتي تتصف قواعده بصفة الأمر والنهي، والتي لا يسوغ للمتعاقدين أن يتهربوا منها بإخضاعهم العقد المعد لإنتاج أثاره في دولة القاضي لقانون أجنبي يخالفها .
إن الحفاظ والحماية الاقتصادية للمواطنين أثناء إبرامهم العقود التجارية الدولية هي أغلى ما يمكن للحكومات والدول والمجتمعات والمؤسسات المحافظة عليها، فحفظ المال يعد من مقاصد الشريعة الإسلامية، بغير المال لا تقوم الدنيا، وفي إطار مسئوليات الدولة بالحفاظ على أموال مواطنيها، وبناء عليه يجب إعمال النظام العام الاقتصادي لاستبعاد القانون الأمريكي في حال وجود منازعة وتغيير الظروف الاقتصادية للعقد الدولي، لأن هذه القرارات قد تضر بالمتعاقد المغربي الذي قد يورد سلع للمتعاقد الأمريكي بعد الزيادة الجمركية الأخيرة ولو أنها في مستوى 10 في المائة ، ويجب التمرد على هذه القرارات المجحفة في حق الدول، من خلال فرض رسوم عكسية على المنتجات والخدمات الأمريكية العابرة للقرات وخاصة منها الرقمية والذكية.
إن الفقه متفق بكون التكييف يلزم أن يتم طبق قانون القاضي، وأول من نادى بذلك الألماني كاهن سنة 1891، والفرنسي بارتان سنة 1897 وقد اعتاد القضاء الفرنسي على التكييف طبق قانون القاضي منذ أمد لكنه لم يضع مبدأ عاما إلا سنة 1955 في القرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 22 يونيو 1955، وكانت القضية المعروضة على القضاء تتعلق بالفصل في صحة زواج تم في فرنسا بين طرفين يونانيين طبق الشروط الشكلية للقانون الفرنسي، وقد اعتبرت محكمة النقض أن التكييف يتعين أن يتم طبق القانون المدني الفرنسي، حيث كانت إمكانية الاختيار بين التكييف طبق القانون الفرنسي المتعلق بالشروط الشكلية للزواج والتكييف طبق القانون اليوناني الذي يعتبر حصول حفل ديني شرطا جوهريا في الزواج .
وفي الحقيقة، في ظل تأثير هذه القرارات الترمبية، هناك عاملان يرجحان التكييف طبق قانون القاضي المغربي:
ـ إن عملية تكييف القرارات الترمبية هي مسألة متعلقة بتأويل إرادة مشرع لقواعد الإسناد في مجال العقود التجارية الدولية، فبما أن قواعد إسناد القاضي في مجال العقود هي التي تطبق فيلزم أخذها بالمفهوم الذي أراده مشرعها، فيعتبرها ظرف طارئ، لأن من يضع قاعدة يرجع إليه أمر تأويلها، فالاعتراض الذي يمكن أن يحصل بكوننا نجهل في مرحلة التكييف فيما إذا كانت القواعد المادية (قانون التجارة) لقانون القاضي هي التي ستطبق، لأن أساس التكييف لا يهم مباشرة القواعد المادية التي لم تعرف بعد، ولكن التأويل ينصب على قاعدة الإسناد في مجال العقد التجاري التي لا يمكن أن تكون إلا قاعدة القاضي.
ـ إنه بدون الرجوع إلى قانون القاضي في تكييف القرارات الترمبية فإنه يخشى التواجد في حلقة مفرغة، فإذا افترضنا وجوب التكييف طبق القانون المختص الذي هو القانون الأمريكي، فإن السؤال الذي يطرح هو كيف سيتم معرفة هذا القانون منذ البداية؟ وما العمل عندما لا يؤدي التكييف طبق القانون الأمريكي باعتبار القرارات الترمبية ظرف طارئ، إذن من اللازم الرجوع إلى قانون القاضي المغربي في ظل تنفيذ هذه القرارات الفجائية على العقد الدولي الخاص في غياب أي عامل أخر للاختيار.
غير إن المشكلة الأكثر أهمية لبلورة نظرية العقد التجاري المتغير المنحاز، هو هل يمكن أن تجد مسألة هذه القرارات الترمبية التي سيتم تكييفها موضعها ضمن تصنيفات قانون القاضي؟ فهذه نقطة متعلقة بكون هذا القانون يتصف بالشمولية أو النقصان، ولكن من الجانب العملي فإن الحالة المعاكسة هي التي تطرح حيث يمكن إدراج مسألة القرارات الترمبية ضمن صنفين أو أكثر (قوة قاهرةـ ظرف طارئ ـ استحالة التنفيذ ـ حادث فجائي ....) لذا يتعين الاختيار بين أحداها.
فيتم تحديد التصنيفات المذكورة أعلاه غالبا بالرجوع إلى المؤسسات القانونية المعروفة لدى القاضي طبق قانونه، فالفقه المقارن متفق بكون تصنيفات قانون القاضي لا يمكن أن تشكل نظاما ناقصا، بحيث يلزم أن تعطي قواعد الإسناد المحلية بمجموع المسائل القانونية التي يمكن أن تطرح والتي لها علاقة مع أي نظام قانوني متواجد في هذا العالم، وذلك عن طريق الانطلاق من القانون الداخلي ومحاولة توسيعه ليشمل المفاهيم الأجنبية القريبة منه، وبهذه الطريقة يمكن القضاء المغربي من أن يدخل القرارات الترمبية ضمن صنف الظرف الطارئ، ولكن هذا التوسع في المفهوم الذي أعطي لقرارات ترمب في بلد القاضي، يتعين ألا يتم بدون حدود إذ يلزم أن تتضمن قرارات ترمب جوهر المفهوم الذي يتبلور في قانون القاضي من أجل التطبيق السليم على التجارة الدولية، فإذا لم يوجد هذا التقارب أو الترابط، فعلى القاضي في حالة تواجده أمام هذه القرارات يمكن إدراجها ضمن تصنيف القوة القاهرة، وأن يقوم بتأسيس قاعدة إسناد جديدة يمكن أن تنسجم مع باقي النظام المتعلق بقرارات ترمب باعتبارها ظرفا طارئا مثلا، أما إذا كان القاضي محصورا بنظام قرارات ترمب باعتبارها قوة قاهرة استنادا للقواعد الصارمة المضمنة في قانون فرض الرسوم الجمركية، فإنه ليس له من حل سوى تجريد قرارات ترمب حسب التفسير القانوني الاجنبي من أي آثر على مجال العقود التحارية الدولية عن طريق رفض أي قانون أو بتطبيق قانونه استنادا للنظام العام، وبهذا يتم التنكر لإرادة الأطراف وآمالهم.
غير إنه الحالة هي الأكثر حصولا في الحياة العملية، حيث يمكن للقاضي أن يدرج قرارات ترمب ضمن صنفين من التصنيفات التي وضعها مشرعه، وكل تصنيف يؤدي إلى تطبيق قانون غير الذي حدده التصنيف الآخر، وهنا على القاضي أن يختار بين أحد التصنيفين، إن العنصر الذي يظهر أوليا وأساسيا في مسألة القرارات الترمبية هو الذي يسمح بتكييفها طبق صنف معين وعلى القاضي أن يفضله على غيره. إن اختلاف الحلول يبرز بأن الأساس في عملية التكييف لا يتمثل في المفاهيم المعطاة لقرارات ترمب، والتي نعود إليها لتحديد التصنيفات، ولكنه يتمثل في الفوائد العملية المترتبة في مفهوم العقد الدولي الخاص المتحول.
وتجدر الإشارة إلى أن قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بخصوص الزيادة في الرسوم الجمركية على دول العالم ومنها دولة المغرب، قد تتجاوز سلطاته بفرض الجمارك الواسعة، استنادا لقانون IEEPA، لعام 1977، وهو قانون مخصص للتعامل مع حالات الطوارئ الوطنية، والذي يتيح للرئيس تنظيم الواردات عند إعلان حالة الطوارئ الوطنية، لا يمنحة سلطات شاملة لفرض رسوم جمركية عالمية غير محددة المدة.
وفي نفس الإطار أصدرت محكمة الاستئناف الأمريكية أن الرئيس دونالد ترمب بالغ في إعلانه حالة الطوارئ الوطنية لتبرير فرض رسوم جمركية على معظم دول العالم، غير إن هذا القرار تعرض للاستئناف أمام المحكمة العليا .
الخاتمة
نخلص إلى أن الحل ليس في تعظيم الجدران الاقتصادية، بل في بناء جسور ذكية تحقق العدالة التجارية وتحمي الاقتصاد العالمي من انهيار وشيك، فالجميع سيخسر، ولكن الخاسر الأكبر سيكون من يظن أنه يربح في معركة خاسرة من الأساس حسابات خاطئة ونتائج كارثية في المستقبل.
فتنفيذ القرارات الترمبية، قد ينتج عنه آثار قد تكون متناقضة، بسبب أن كل دولة تسعى لحماية أطراف العقد الوطنيين دون الأجانب، في حين عندما يعرض هذا الحكم على دولة الطرف الأجنبي من أجل تذييله بالصيغة التنفيذية، قد يستبعد لمخالفته للنظام العام الاقتصادي بحجة تأثيره المادي السلبي على الطرف الوطني كذلك، ولوجود القوة القاهرة والظروف الطارئة الناتجة عن الحماية الجمركية، مما يجعل مصير التجارة الدولية مجهولا وتتجه نحو الانهيار العظيم.
فهذه الدراسة قد أظهرت أن هذه الوضعية الصعبة التي يعيشها العالم بسبب القرارات الترمبية، كان تأثيرها كبيرا على الالتزامات التجارية الدولية، تجعل الركون للقواعد المضمنة في القوانين الوطنية غير ذي جدوى، لأنها قواعد بالية لا تنسجم مع الواقع العالمي الحالي، المتسم بالتوترات العالمية الصعبة.
ومن خلال هذه النتائج المستخلصة من هذا البحث نقترح مجموعة من التوصيات، على الشكل التالي:
- سن قانون دولي خاص مغربي ينظم كل المقتضيات المتعلقة بالعلاقات الدولية الخاصة، يراعى فيه الوضعيات السائدة في العالم ( حروب ـ سلم ـ ازدهار ـ كسادـ أوبئة ـ فيضانات...).
- إقرار آلية النظام العام الاقتصادي لاستبعاد القانون الأجنبي المختص في مجال العقود الدولية الخاصة في ظل القرارات الترمبية.
- إعمال مبدأ " المعاملة بالمثل" من طرف القاضي الوطني في مجالات التجارة الدولية.
- فرض ضريبة الخدمات الرقمية على الشركات الرقمية الأمريكية.
لائحة المراجع
أولا: المراجع باللغة العربية
1- الكتب
ـ ناصر متيوي مشكوري، مبادئ في القانون الدولي الخاص، ط 1، مطبعة المعارف الجميلة، فاس، 2013.
ـ جمال الخمار، إمكانية تطبيق مدونة الأسرة في أوربا، ط 1، مطبعة نون بريس، ألمانيا، 2017.
2- المواقع الالكترونية
- الموقع الالكتروني https://www.google.com/search?q=+%D8، تاريخ الولوج 10/06/2025.
- الموقع الالكتروني، WWW.ALJAZEERA.NET، تاريخ الزيارة، 09/04/2025.
- الموقع الالكتروني، www.almeezan.qa/lawarticcles، تاريخ الزيارة، 07 ماي 2025.
- الموقع الالكتروني، https://www.aljazeera.net/ebusiness، تاريخ الولوج 23/06/2025.
- الموقع الالكتروني، https://www.aljazeera.net/ebusiness/2025/4/11، تاريخ الولوج 23/06/2025.
ثانيا: المراجع باللغة الفرنسية
- Pierre Mayer. 1992 .Droit international privé, 4eme ed, Dalloz, Paris.
(*) أستاذ باحث بالكلية متعددة التخصصات بتازة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس – المغرب.
المرجو عدم تضمين تعليقاتكم بعبارات تسيء للأشخاص أو المقدسات أو مهاجمة الأديان و تحدف كل التعليقات التي تحتوي على عبارات أو شتائم مخلة بالأداب....

أضف تعليقك